السيرة الذاتية لسماحة العلامة الشيخ عبدالعظيم المهتدي البحراني دام ظله

 

إعداد | محمد جواد المهتدي 

 

*1/* ولادته:

وُلِد سماحته في مدينة المحرّق (البحرين) سنة (1960م) من أبٍ متديّن كادح وأمٍّ مؤمنة يرجع نَسَبُها الشريف إلى الإمام الحسين سبط النبي (ص). وكانت ولادته شبه كرامة إلهيّة، إذ لكِبَرِ سنّ أبوَيْه قد نَذَرَا باسم السيّد عبدالعظيم الحسني لمّا كانا في زيارة حَرَمِه الشريف -بشهر ري التابع للعاصمة طهران- إنْ رَزَقَهما اللهُ ولداً يسمّيانه باسمه. ثم عادا إلى البحرين.

وكانت إمرأة صالحة من الجيران (وهي الحاجّة فاطمة غوصي) قد رأت في المنام رجلًا نورانيًّا يقول لها أخبري السيدة (أم حسين) أن الله قد استجاب دعاءها فلا تنسى نذرها. وكانت الجارة لا تعلم شيئًا  عن الموضوع حسب كلامها لسماحة الشيخ المهتدي بعد 45 سنة لما زارته في منزله بمدينة المحرّق!!

*2/* نشأته:

منذ طفولته وهو يحمل صفات نفسيّة جميلة جعلته محبوبًا عند أهله وزملائه. وكان ملازمًا لمسجدَيْن في منطقته (مسجد كريمي) و(مسجد الرضا) وعمره آنذاك سبع سنوات. وإلى اليوم كلما نسأل عنه من أبناء جيله يقولون: ما رأينا منه إلا خيراً، ولم نعرف عنه أذىً لأحد. ويذكر أصدقاؤه أنه قبل ذهابه للدراسة في حوزة النجف الأشرف كان بينهم رياضيًّا موقورًا، ولثقتهم فيه أجمعوا على تعيينه أمين صندوق فريقهم الرياضي!!

*3/* دراسته الرسميّة والدينيّة:

بعد تخرّجه من الصفّ السابع في مدرسة عبدالرحمن الناصر (يعني انتهائه من أوّل إعدادي).. هاجر إلى العراق سنة (1974م) لدراسة العلوم الإسلامية في حوزة النجف الأشرف وهو لم يبلغ الحُلُم. وكان ذلك بتشجيعٍ من شقيقه الحاج قاسم (أبو محمد). فخيّره والده بين إتمام دراسته الرسميّة وتخرّجه وبين السفر إلى الحوزة العلمية في العراق، فاختار سماحته الدراسة الدينيّة لانشداده إلى الدين منذ صغره.

وكان يعود إلى البحرين في مواسم التبليغ الدّيني ويُلقي محاضراته الشبابيّة في مختلف مناطق البحرين، يرشد فيها الناس، وخاصة شباب منطقته الذين أسّس معهم جملةً من الفعّاليات الدينيّة والثقافيّة في سبعينيّات القرن الميلادي المنصرم. استمرّ على هذا الأمر منذ عمر السادس عشر حتى العشرين حيث اعتقل بعد الثورة في ايران بتهمة التأييد لها ونُفِيَ من الوطن سنة 1980 ثم لم يُسمَح له بالرجوع إلى سنة 2001 مع بدء العفو العام الذي صَدَرَ عن ملك البحرين.

*4/* أبرز أساتذته:

أبرز أساتذته في حوزة النجف الأشرف كان آية الله السيد مرتضى الأصفهاني (المعروف باستخاراته) والشيخ جواد الطوبائي والشيخ جواد البخارائي والسيد حسن القزويني في المقدّمات، ودرس أربعة سنوات عند المرجع الراحل السيد عبدالأعلى السّبزواري علم الحديث والأخلاق والتفسير. ودرس عند آية الله السيد أحمد المددي أواخر المقدّمات وكثيراً من مرحلة السطوح مع زميله في الدرس والبحث سماحة السيد محمد رضا ابن المرجع السيستاني. ودرس بعض كفاية الأصول عند الشهيد آية الله السيد صاحب الحكيم إلى سنة 1979م وبعض الدروس الأخلاقية عند الشهيد آية الله السيد عماد الحكيم. ودرس علم التاريخ ونهج البلاغة عند آية الله السيد محمد كلانتر (شارح كتاب اللّمعة الدمشقيّة) فترة إقامته في جامعة النجف الدينيّة. ودرس علم الخطابة عند الشيخ النعمتي بتوجيه من الخطيب الحسيني الشهير المرحوم الشيخ عبدالحسين الخراساني.

هذا واختار لنفسه لقب (المهتدي) في هذه الفترة حينما استفتح بكتاب الله الكريم فوقع نظره على الآية 178 من سورة الأعراف (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).

*5/* عودته إلى وطنه:

إستقرّ في بدايات سنة (1979م) بمنطقته (المحرّق) إمامًا للجماعة في مسجد الرضا حتى الشهر العاشر من سنة (1980م) وكان يلقي بعد صلاة العشاء محاضرات توعويّة وخطبة يوم الجمعة بعد إقامته لصلاة الظهر والعصر جماعة. ومحاضرات في مناطق عديدة من البحرين.

وقد تخرّج من توجيهاته جمعٌ من الشباب الذين يتصدّون اليوم أكثر الأنشطة في محافظة المحرّق وغيرها.

*6/* إعتقاله وإبعاده من الوطن:

كان يجاهر بتأييد الثورة الإسلامية في إيران قبل انتصارها، ولما شنّ النظام الصدّامي حربه على ايران في سنة (1980) ندّد سماحته بهذه الحرب علنًا.

كان أوّل مَن شجّع للمشاركة في مسيرة يوم القدس العالمي من منبر مأتم منطقة (طشّان) وعمره يومئذ (20) سنة. وكان أوّل مَن ألقى كلمةً حماسيّة عند جنازة أوّل شهيد في البحرين هو جميل العلي في (مسجد مؤمن) بالعاصمة (المنامة) واستنكر في كلمته جريمة التعذيب والقتل في السجون.. ولم يكن آنذاك أحدٌ من علماء البحرين بهذا المستوى من الوقوف العلني في القضايا السياسيّة.

لهذا السبب اعتقلتْه السلطات في الشهر العاشر من سنة (1980م) فأخضعتْه للتعذيب الشديد مدّة اسبوعين حتى ساءت صحّته فنفتْه فورًا إلى إيران وهو بين الحياة والموت.

*7/* دوره في خدمة المبعدين:

كان يعالج في مدينة شيراز من آثار التعذيب ثم في قم وطهران حتى سمع عن وصول جمعٍ من المُبعَدين البحرينيّين إلى ميناء بوشهر، فترك متابعة علاجه وأسرع إليهم واستقبلهم وزكّاهم لدى السلطات الإيرانيّة بالكفالة إذ لم يكونوا يحملوا أيّة وثيقة قانونيّة.

ساعدهم في احتياجاتهم المعيشية من السّكن والطعام والمصروف المالي (للجيب) إلى أن قاموا على أقدامهم واختاروا طريقهم في المجتمع الجديد عليهم والذي كان يمرّ بظروفٍ صعبة جدًّا بسبب الحرب العراقية الإيرانية.

*8/* مواصلة دروسه الحوزويّة:

واصل دروسه الدينيّة العُليا في حوزة قم المقدّسة. إذ حضر بحث خارج الفقه الإستدلالي عند سماحة المرجع الشيرازي الراحل، وتزامنًا كان يحضر بعض البحوث الأخلاقية عند شقيقه سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي حتى انتقل في أواخر سنة (1982م) إلى حوزة القائم في طهران بطلبٍ من سماحة المرجع المدرّسي للتدريس عبر وسيط. ومن طهران واصل دروسه بالإستماع من إذاعة طهران التي كانت تبثّ بحوث المرجع الشيخ المنتظري في الفقه الإسلامي. كما حضر هناك أيضًا دروس المرجع المدرّسي في التفسير التدبّري للقرآن الكريم.

*9/* سفراته التبليغية:

بعد سفر الحجّ في سنة (1983) قام سماحته حتى سنة (1997) بعدّة سفرات للتبليغ الإسلامي إلى كلٍّ من الهند وكينيا وإسبانيا والدنمارك والسويد وبريطانيا، ولم تقتصر نشاطاته هناك على المحاضرات واللقاء بالجاليات بل ساهم في تأسيس مشاريع إسلامية ومدارس دينيّة ومراكز ثقافيّة وربط المهاجرين بالمرجعيّة الدينيّة، واهتدى على يده كثيرون، ولازال شيعة الدنمارك يذكرون عطاءه في مطلع التسعينات حيث أقام في العاصمة (كوبنهاجن) قرابة خمسة سنوات، وأسّس هناك حسينيّة الإمام المهدي (عليه السلام).

وبعد رجوعه إلى البحرين في سنة 2001 جدّد سفراته التبليغيّة إلى الحجّ وبعض الدول الخليجيّة وإلى الدنمارك والسويد وفرنسا وبرلين والنرويج في سنة 2009.

*10/* إقامته في مدينة مشهد:

عاد من الدنمارك سنة (1992) واستقرّ في جوار حرم الإمام الرضا (ع) وفيها واصل سماحته في المزيد من الدروس، وهذه المرّة تشرّف بالتتلمذ على يد العالم الربّاني آية الله المرواريد في المعارف الإلهيّة. وحضر بعض الدروس لسماحة السيد جعفر سيّدان صهر المرجع السيستاني. كما درّس بعض طلبة العلوم الدينيّة، وكان يلتقي الزوّار القادمين من البحرين ودول الخليج مما استطاع بالتعاون مع المحسنين أن يبني حسينيّة بالقرب من الحرم الشريف باسم (حسينية الإمام الرضا) وكانت مقرًّا لنشاطاته ولقاءاته ومحاضراته.

عاش في هذه المدينة المقدّسة من سنة 1992 إلى سنة 1996. ثم هاجر منها إلى مدينة قم المقدسة، وتفرّغ لتأليف الكتب في مختلف المواضيع.

*11/* مؤلفاته القيّمة:

أوّل تأليفٍ صَدَرَ له في بيروت كان في سنة (1978) وعمره 18 سنة بعنوان (حقائق للتأمّل). واستمر في تأليفاته حتى هذه السنة (2017) حيث تجاوز عددها المائة كتابًا وكتيّبًا في مختلف العلوم والمواضيع.

أشهر مؤلفاته كتاب (قصص وخواطر من أخلاقيّات علماء الدين) الذي ألّفه قبل (24) عاماً في مشهد المقدسة. وقد طُبِع قرابة عشرين طبعة لكثرة الطلب عليه.

وصدرتْ له العناوين التالية:

(الحسين مدرسة الأجيال) (رسالة الأخوة والتآلف) (العلم والعلماء في الكتاب والسنّة) (علماء البحرين دروس وعبر) (مذكّرات الشيخ بهلول) (حوار بين الحاج والشباب) (تلخيص التشريع الإسلامي) (100سؤال وجواب فيما يحتاجه الشباب) (لمستقبل أفضل) (من أخلاق الإمام الحسين) (معلومات تحتاجها لسفر الآخرة) (المحبّة والعدالة والعقلنة.. دعائم الإصلاحات الناجحة) (سمعتُ يقولون) (أم البنين.. رسالة إلى المرأة المسلمة) (أخلاق التعدّدية) (عالِمٌ ومتعلِّم) (كلماتٌ مِن نور) (شؤون علمائيّة بين السائل والمجيب) (التسقيط.. ظاهرةٌ خطيرة ومعصيةٌ كبيرة) (الحرّية، ولا بديل) (تجربة الوحدة والتعايش) (ماذا تعرف من أسرار الحجّ) و(الإختلاف.. وثقافة التعايش) (الإمام المهدي.. أمل الإنقاذ العالمي) (الإمام الحسن الزكيّ.. منهج الأخلاق والعقلانيّة) (العقل ودوره في حياة الإنسان المسلم) (الخطر قريبٌ منك.. وحبل النّجاة بين يديك) (وللإنسان كرامة) (يا رسول الله.. هذه أمّتك وأنت الدّواء) (أولويّات في طريق الإصلاح والتغيير) (نحو ثقافة الغيرة وفقه الفضيلة) (البناء القرآني في الحوار مع الآخر) (الديمقراطيّة الغربيّة والشورى في الإسلام) (ولا تكُن مِن الغافلين) (يا أيّها المسلمون) (الموسوعيّة في شخصيّة الشيخ ميثم البحراني – أوّل شارح لنهج البلاغة) (لماذا التطبير) (في التجديد لثقافة الوقف الشرعي) (إنْ كنتَ شيعيًّا.. فهذه رسالتك) (في حُبّ المصطفى محمد “ص”) (له دعوة الحقّ) (عن جدليّة التعاطي مع الدولة) (السلام.. عنوان دين الله) (القصّ والمَقَص) (المسجد محراب النّجاة) (شرح خطبة المتقين) (المقدّس الشيرازي) (حوار الأربعين) (رسالة إلى الإخوة المطبِّرين) (المشروع الإصلاحي عند الإمام الحسين) (كيف ننصر الإمام الحسين) (الزهراء) (الحجّ قِيَمٌ وقيام) (تنويرات في صناعة اللاعنف) (عشرة مبادئ من فكر الإمام الحسين) (إستضاءات من نور القرآن الكريم). طُبِع هذا الكتاب في بيروت مع إضافات وترتيب جديد في ثلاثة أجزاء تحت عنوان (تيسير المفاهيم في تفسير القرآن الكريم).

مضافاً إلى (11) كتابًا ألّفه سماحة الشيخ الوالد خلال 20 شهراً في سجنه الأخير سنة 2011. منه (تفسير القرآن -لم يكتمل-) (نهج البلاغة في صياغة حواريّة) (إشراقات من أدعية أهل البيت) (تشبيهات بين المحسوس واللامحسوس) (العروج بالسّجود لله تعالى). وقد طُبِع من هذه المجموعة ثلاثة: كتاب (أمّاه) وكتاب (الحسينيّون) وكتاب (313 كلمة).

ومن مخطوطاته أيضًا: كتاب (جاري الكتابة) وكتاب (من الجمعة إلى الجمعة) وكتاب (من الآن: ساهِم في تحرير عقلك).

تُرجم بعض هذه المؤلفات إلى اللغة الفارسيّة والإنجليزيّة والأردو. وخاصة كتاب (لمستقبل أفضل) الذي تضمّن 200 سؤالًا وجوابًا حول قضايا الشباب والحياة الزوجيّة وتربية الأطفال، لاقتْ ترجمته الإنجليزيّة إعجابًا كبيرًا في أمريكا وبعض الدول الأوروبّية.

كما لسماحة الشيخ الوالد (حفظه الله) آلاف المقالات والبيانات في مناسبات دينيّة واجتماعيّة وسياسيّة شتّى لو جُمعتْ لصارت كتابًا كبيرًا.

وله مذكّرات يدوّنها تحت عنوان (أوراق من حياتي) وستطبع بعد وفاته حسب وصيّته (أطال الله في عمره الشريف).

ومن الجدير بالذّكر أنّ ملك البحرين مَنَحَه في سنة 2008 الوسام الوطني للكفاءة من الدرجة الأولى ضمن عشرين شخصية الأكثر تميُّزاً لذلك العام، حيث تختار الحكومة سنويًّا شخصيات من كلّ الفئات المجتمعيّة لهذا الوسام الذّهبي. فكان الأوّل من علماء البحرين لكثرة مؤلفاته واعتدال أفكاره ودعواته التعايشيّة.

*12/* وكيل المراجع:

لمكانته العلميّة ومساعيه الإصلاحيّة مَنَحَه أكثر المراجع الأجلّاء ثِقتَهم الشرعيّة ووكالاتهم الحِسبيّة وإجازاتهم للرواية.. أبرزهم:

• السيد محمد الشيرازي الراحل.
• السيد صادق الشيرازي.
• السيد عبدالأعلى السبزواري.
• الشيخ صافي الكلبايكاني.
• السيد محمد تقي المدرّسي.
• الشيخ مكارم الشيرازي.
• الشيخ البهجت.
• السيد محمد الوحيدي.
• السيد محمد سعيد الحكيم.
• السيد صادق الروحاني.
• السيد السيستاني (عبر صهره السيد الشهرستاني).
• المرحوم السيد عباس خاتم اليزدي مسؤول مكتب السيد الخميني (في رسالة تأييد إلى السيد الخامنئي) معبِّرًا عن سماحته بأنّه (مورد ثقة وتأييد).
• السيد محمد الشاهرودي.
• السيد محمد باقر الشيرازي (نجل المرجع السيد عبدالله الشيرازي).
• الشيخ فاضل اللنكراني.
• الشيخ المنتظري.
• السيد كاظم المرعشي.
• السيد أحمد المددي.
• ووكالة شفوية من المرجع الوحيد الخراساني.

*13/* مواقفه السياسيّة ومبادراته الإصلاحيّة:

لسماحة الشيخ المهتدي مواقف سياسيّة حكيمة، وفي خصوص الوضع البحريني فقد كانت له مبادرات تاريخيّة هامّة:

◈ الأولى:

صياغته لمشروع المصالحة بين السلطة والمعارضة في سنة 1996 وكان ذلك بطلبٍ من المرحوم العلّامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وقد اعتمدها (رحمه الله) في لقائه مع أمير البحرين آنذاك.. وكان من أبرز مقترحات المهتدي لحلّ الأزمة في التسعينيات:

* إطلاق سراح السجناء.
* تعويض عوائل الشهداء بالدّية الشرعية.
* انتخابات حُرّة ونزيهة للمجلس الوطني.
* عودة جميع المُبعَدين.
* السماح لتأسيس مجلس موحَّد لكبار علماء الشيعة.

◈ الثانية:

أسّس سماحته في طهران (سنة 2000) (لجنة متابعة شؤون المبعدين البحرينيين) وتحرّك لإرجاع العوائل التي أبعدتها السلطات البحرينيّة منذ سنة 1980 وكانوا قرابة 650 شخصاً.. وافقت الحكومة برجوع سماحته مع أسرته فقط، فردّ عليها الشيخ المهتدي: أنّ المبعدين كلهم أسرتي!!

ثم واصل ضغوطاته الإعلاميّة حتى وافقت الحكومة على رجوع سماحته ومعه كل تلك الأُسَر في مرحلتَين، وكان ذلك في سنة 2001 إلى سنة 2003.

ازدحمت الجماهير في استقباله بمطار البحرين الدولي، وقد امتدّ حضورها الكبير إلى حسينيّة الشهابي التي ألقى فيها العلّامة المهتدي خطابه الشهير مُعلنًا برنامجه في 16 محور للإصلاحات الثقافيّة والسياسيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة.. طبع هذا الخطاب في كتيّب بعنوان (فنّ العلاقات العامّة.. البحرين مثالاً). وكان هو الوحيد بين العلماء والسياسيّين الذي قدّم خطوطه العامّة عند رجوعه بعد 21 سنة من الإبعاد.

وقد زار سماحته من العلماء المعروفين كلٌّ من السماحات: الشيخ عيسى أحمد قاسم، والمرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري، والمرحوم السيد جواد الوداعي، والمرحوم الشيخ أحمد العصفور، والشيخ حسين النجاتي، والمرحوم الشيخ محمد علي العكري.

هذا وفي لقائه مع ملك البحرين بعد عودته في سنة (2001) طلب سماحته تجنيس البدون أيضاً فتمّت الموافقة على طلبه، وحصل ما يقارب 40 أسرة من البدون على الجنسيّة البحرينيّة عبر رسالة منه إلى الديوان الملكي. كما وافق الديوان بطلبٍ من سماحة الشيخ على منح الرسوم الماليّة المتعلّقة بالإقامات التي صدرت لزوجات العائدين البحرينيّين (200 دينار لكل إقامة) تمهيدًا لمنحهنّ جناسي بحرينيّة تبعًا لأزوجهنّ.

◈ الثالثة:

إنطلاقًا من نظريّته المعروفة (إتّحاد الرؤوس يوحّد الأتباع) طالب الشيخ المهتدي في سنة 2001 كبار علماء البحرين بتأسيس مجلسٍ جامعٍ لكلّ المرجعيّات الشيعـيّة، ليتمّ بذلك القضاء على الخلافات التي أنهكت الجميع. ولكن لم يُقبَل منه مشروعه بالطريقة التي أراده سقفاً يجمع الشمل. ومع ذلك لم يقاطع مَن لم يقدّروا جهاده وتضحياته وجهوده ومقترحاته البنّاءة.. لإيمانه بأن الأخلاق التواصليّة بأيّ درجة منها تبقى هي السبيل للتعاون البنّاء ولو نسبيًّا. وهذا إنْ دلّ على شيء فإنّما يدلّ على رؤيته الوحدويّة السديدة لإنقاذ شيعة البحرين من التشرذم الداخلي الذي هو السبب الأساس لمآسيهم!!

◈ الرابعة:

طلب منه الديوان الملكي أن يلقي كلمة في قصر الصافريّة سنة 2002.. حيث أجواء البحرين كانت تتحرّك باتجاه الإصلاحات.. فكانت كلمة سماحته بحضور الملك ورئيس الوزراء ووليّ العهد قد نالت إعجاب كبار الشخصيّات السياسيّة والوزراء ورجال الأعمال وعلماء الشيعة والسنة والضيوف الأجانب. تكلّم فيها سماحته لمدة نصف ساعة حول دعائم الوحدة الوطنيّة: الحوار والتعايش والعدالة الإجتماعية. نشرتْ صحف البحرين آنذاك مقتطفات من تلك الكلمة. وطبعها مكتب سماحته في ملحق كتابه (تجربة الوحدة والتعايش).

◈ الخامسة:

قدّمتْ له السلطة دعوةً بتعيينه عضوًا في المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة.. إستمهلها العلّامة المهتدي ليستشير في الأمر، وذلك إيمانًا منه بأن القرارات الكبيرة لابد من التشاور فيها. فسافر والتقى ببعض المراجع الكرام ورجع آخذًا منهم الموافقة للدخول في هذا المجلس، ولكنه ربط قراره النهائي بالإستخارة القرآنيّة لمزيد من إبراء الذمّة بين يدي الله تعالى.. فذهب في سنة 2004 إلى حج بيت الله الحرام وهناك أمام الكعبة المشرّفة رأى سماحة المرجع الديني السيد محمد تقي المدرّسي (دام ظله) فطلب منه الإستخارة وجاءت الآية (11) من سورة إبراهيم إذنًا بالذّهاب قُدُماً. والآية كانت في صميم المطلوب: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

وهكذا قرّر العلّامة المهتدي دخول المجلس الذي عاهد الله أن يخدم من خلاله الناس، فكان يوزّع راتبه الشهري البالغ (1200) ديناراً على الفقراء والمشاريع الخيريّة وطباعة كتبه وتوزيعها (مجانًا).. وبهذا عُرِفَ بين أعضاء المجلس حتى كانوا يعلّقون عليه مزاحًا في الجلسات التي كانت تُعقَد مرّة في الأسبوعين!!

واستطاع سماحة الشيخ فترة عضويّته تحصيل إجازات رسميّة لبناء عدد من المساجد والترخيص لبعض جمعيّات إسلاميّة (قرآنيّة، ثقافيّة، خيريّة) وإنجاز أمور كثيرة ستنشر في مذكّراته بإذن الله.

وفي هذه الفترة أسّس حوزته المباركة (حوزة خاتم الأنبياء -ص- العلميّة) وبنى (مسجد الرسول الأعظم) و(مركز العترة لتحفيظ القرآن) و(حسينيّة أهل البيت) و(مكتبة غريب الطف العامّة للمطالعة) و(جمعيّة أهل البيت الثقافيّة الخيريّة) و(مركز أم البنين لكفالة الأيتام).

وقدّم سماحته طلبًا إلى المجلس الأعلى لحذف النصوص التي تكفّر الشيعة من الكتب المَدْرَسيّة.. فقرّر المجلس إنشاء لجنة رباعيّة بعضوية سماحته لإعادة صياغة الأماكن المضرّة بالوحدة الوطنية، وعقدتْ اللجنة جلساتها بحضور مندوب وزارة التربية والتعليم الذي أعلن موافقة الوزارة على التعديلات، ثم لم تُنفَّذ لأسباب مجهولة.

◈ السادسة:

شارك سماحة العلّامة المهتدي في مؤتمرات داخل وخارج البحرين بأبحاث متميّزة.. مثل بحثه المقارن حول (الديمقراطيّة الغربيّة والشورى في الإسلام) الذي قدّمه لمؤتمر اسطنبول (تركيا) سنة 2009. وورقته البحثيّة حول التجديد في الثقافة الوقفيّة التي قدّمها لمؤتمر الوقف الجعفري في الكويت سنة 2005. وحضوره في مؤتمر القاهرة حول الأمن الإجتماعي في الإسلام سنة 2008 ومشاركته في مؤتمر طهران حول شخصيّة الشيخ ميثم البحراني أول شارح لنهج البلاغة. وعدّة مؤتمرات فكريّة داخل البحرين. ومنها خطابه الشهير في جامع الفاتح ليلة القدر. وخطابه في صالة المؤتمرات بفندق (ديبلومات) حول المبعث النبوي الشريف، بحضور جمع من الوزراء والسفراء والشخصيّات العلميّة والدينيّة.

ولسماحته محاضرات كثيرة على امتداد 38 عاماً بلغت عشرات الآلاف.. ما عدا لقاءاته على قناة (الكوثر) وقناة (العالم) إلى قبل خمس سنوات -إذ انقطعت في بداية أحداث البحرين- ويستمر في محاضراته لقناة (الأنوار) وقناة (المهدي) وقناة (الإمام الحسين).

◈ السابعة:

بعد ثلاث سنوات وأشهر من عضويّة المجلس، ولمّا رأى سماحته صدوداً بوجهه في طلباته لخدمة الناس، وخاصّةً مطالبته بوقف الخطاب التكفيري لبعض الشخصيّات النيابيّة في البرلمان، ومطالبته بوقف التجنيس العشوائي، ومطالبته للحوار مع المعارضة السياسية بدل حملة الإعتقالات.. إستخار الله بالقرآن الكريم فقدّم استقالته من المجلس الأعلى بإرسال برقيّة إلى ملك البحرين في سنة 2009 تناقلتها وكالات الأنباء. ودعاه الملك إثر ذلك إلى لقاء معه دام ساعةً واحدة ناقشا خلالها أسباب إستقالته. واعتذر سماحته عن قبول هديّة ماليّة من الملك لبناء منزل له إلا أن يكون حاله في الحصول على سَكَنٍ كحال بقيّة المواطنين المحتاجين.

هكذا فإن العلّامة المهتدي كان ولازال واضحاً في مبادئه وإصلاحيًّا في وطنيّته وحازمًا في اتخاذ قراراته الحاسمة وزاهدًا في دنياه وشريكًا لهموم شعبه.

◈ الثامنة:

من منطلق الواجب الديني والحسّ الوطني في توجيه الناس نحو السلميّة في مطالباتهم القانونيّة المشروعة.. شارك سماحته في الحراك الشعبي الذي اندلع في 14 من فبراير سنة 2011م مستقلًّا عن الجمعيّات السياسيّة المعارضة، وذلك عبر بياناته وتغريداته في الوسطيّة التي عُرِفَ بها.

*14/* إعتقاله والإفراج عنه في الأحداث الأخيرة.

لمّا شنّ النظام حملة اعتقالات في صفوف قيادات المعارضة، وشملتْ هذه الحملة سماحة العلّامة المهتدي في ليلة 2011/4/9 وحُكِمَ بخمس سنوات. ولكنّه في الإستئناف ثبتتْ براءته. وكان ذلك بعد أن قضى عشرين شهرًا في السّجن.

واستقبلتْه الجماهير في منطقته (المحرّق) استقبالًا لم يحدث له مثيل في المحافظة. وكان فيمن زاره كبار شخصيّات البحرين من رموز علماء الدين والوجهاء من مختلف التيّارات.

كما اتصل به سماحة المرجع الشيرازي من قم المقدّسة يحمد الله على سلامته. ثم في سفرته بعد الإفراج إلى النجف الأشرف استقبله سماحة المرجع السيستاني في لقاء خاص استغرق نصف ساعة.

ولازال منذ الإفراج عن سماحته في الشهر من سنة 2012 يعمل في توجيه الناس إلى نهج الحكمة ونبذ التطرّف المذهبي داعيًا إلى تجاوز الطائفيّة البغيضة التي دمّرتْ حياة البحرينييّن. ولم يفتر في نشاطه الدؤوب ومتابعته للأمور رغم متاعبه الصحّية وهو في 57 من العمر.

*وأخيرًا:*

لسماحة العلّامة المهتدي اليوم محبّون ومؤيِّدون في البحرين ودول الخليج والعراق وإيران، وفي أنحاء العالَم.. يعرفونه ذلك العالِم الذي يلتزم الوسطيّة والإعتدال، والكاتب الذي لا تتعب أنامله، والمبدئيّ الذي لا يساوم على دين الله، والإصلاحيّ المُسالِم الذي لا يؤمن بالعُنف، والناشط المستقلّ الذي يؤيّد الحسنة حتى من البُعَداء وينتقد السيّئة حتى من القريبين منه. يعتزّ بحرّيته وعدم إنسياقه خلف أحدٍ سوى مرجعيّته الفقهيّة الرشيدة.

نسأل الله له ولأمثاله السّداد في تنوير العباد وتطوير البلاد.

 

 

 

للاعلى