☆ عليٍّ الأكبر ☆
قدوة الشباب الواعي

تلخيصاً لمحاضرة سماحته التي ألقاها ليلة مولد علي الأكبر إبن الإمام الحسين (ع) وأجوبة على هامشها في حسينية أهل البيت بمحافظة المحرق.. البحرين
(11/شعبان/1436).

بسم الله الرحمن الرحيم

● حينما يقول الإمام الحسين (عليه السلام) واصفاً إبنه عليّ الأكبر بشهادة فريدة من نوعها: «اللّهم اشهد، فقد بَرَزَ إليهم غلامٌ أشبهُ الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه» نعرف أنّ هذا الشاب بهذه المواصفات جدير بشبابنا أن يتخذوه قدوةً لهم في تلك الأبعاد الثلاثة من شخصيته الحسينية:

1/ الخَلق.. لأنه كان قبساً من نور جدّه النبي المصطفى وجماله (صلوات الله عليه وآله).
فعلى شبابنا أن يقتربوا منه في أشكالهم وملابسهم ونظافتهم. فلا يليق بالشاب الشيعي أن يقلّد قَصّة شعره مثلاً شباب الأجانب أو يحتذي حذو الفنّانين الذين يسوّقهم إبليس في وسائل إعلامه المضلّلة.
2/ الخُلق.. فهو كان شعاعاً من أخلاق جدّه الذي وصفه الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ).
فعلى شبابنا اتخاذه قدوةً لهم في أخلاقهم وليقتربوا منه في الأدب وفي الرزانة.
3/ المنطق.. وهو أسلوب الكلام وفنّ التحدُّث واختيار الألفاظ وتركيب الكلمات في عبارات ذات معنى هادف، وهذا من نتاج منطق الفكر ومستوى الفهم والدقّة والمتابعة المعلوماتية.
فمن الضرورة أن يحضر شبابنا دورات تؤهلهم في بناء الذات فكرياً ومنطقياً ليتمكّنوا من إلقاء الخطاب النافع أمام الناس.

● بالتأسيس على هذا الهدف يجب إحياء ذكرى مولد عليّ الأكبر.. ذلك الشاب الواعي المجاهد الشجاع المؤدَّب العابد الخلوق.. وبنفس المقدار نحذّر الشباب من الإكتفاء بالنعي في مصابه واللطم باسمه.. ثم الغياب التام عن شيء إسمه التعلّم والتفقّه والتفكُّر ومعرفة الحياة ومعادلات الصراع بين الحق والباطل. فإن هذا مما يؤدي إلى ظهور سلوكٍ شبابيٍّ مفرطٍ تحت إسم الشعائر الحسينية كبديلٍ عن طلب العلم الذي أوجبه الله والرسول والأئمة والفقهاء.. فالشباب الذين لا يحضرون مجالس العلماء ليتعلّموا العقائد والأحكام ولا يقرأون الكتب المفيدة لبناء الشخصية المؤثرة في الحياة ولا يحبّون الدراسة ولا يتفاعلون مع المعلومات الأخرى عن الدين غير البكائيات واللطميات، سوف يكونوا نواةً لجيلٍ متمرّدٍ على العلم والعلماء وباسم الدين والحسين.. وبالتالي سيستغلّهم الشيطان للأفكار الإنحرافية والسلوكيات الغريبة والتي ظهرت في التاريخ الغابر ونراها اليوم في بعض الشباب.

● إن عليّ الأكبر يرفض الخمول الفكري والجمود الذهني، كما يرفض الاستعراض بمجالس اللطم التي ليس فيها تطبيق لقول أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) في قيمة الوعي والعلم والمعلِّم عندما قال: “مَن كَفَلَ لنا يتيماً قطعته عنّا محنتُنا باستتارنا.. فواساه مِن علومِنا التي سقطت إليه حتى أرشده وهداه.. قال الله: يا أيّها العبد الكريم المواسي إنّي أولى بالكَرَم. إجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرفٍ عَلَّمَه ألفَ ألفَ قصرٍ، وضُمّوا إليها ما يليق بها مِن سائر النِّعَم”.

● فيا أيها الشباب.. إعلموا أنّ قيمتكم في الولاء والشعائر إنما تتبع درجة وعيكم والبصائر التي تمتلكونها في ممارسة الشعائر. فإذا كنا من أمّة (الإقرأ) يحسن بنا حمل (القلم) والتصادق مع (الكتاب) عملاً بقول الإمام الصادق (عليه السلام): “لستُ أُحِبُّ أن أرى الشّابَّ منكُم إلاّ غادِياً في حالَين: إما عالِماً أو متعلِّماً فإن لم يفعل فَرَّط، فإن فَرَّطَ ضَيَّع، فإن ضَيَّعَ أَثِم، وإن أَثِمَ سَكَنَ النّار والّذي بَعَثَ محمّداً بالحقّ”.

والحالة الثالثة بعد (إما عالماً أو متعلِّماً) هي الحالة البَقَرِيّة التي لا نحبّذها لشبابنا.. يقال أنّ رجلاً قرويّاً جاء إلى أحد العلماء يستشيره: قال عندي بقرة وجمعت بعض المال.. ولا أدري هل أعطي هذا المال لإبني يذهب للدراسة خارج القرية أو أشتري به بقرة ثانية؟ فقال له العالم: رأيي أن تعطيه لإبنك يدرس وإلا صارت عندك ثلاثة أبقار في البيت!!

● نحن نعتزّ بتشيّعنا لمحمدٍ وآل محمد.. لأنه دين الله الذي يسعدنا وينقذ البشرية من مآسيها.. ولكن حتماً ليس باللطميات ليل ونهار حتى يكاد بعض الهبلان يطبّر رأسه في مولد الإمام الحسين!!
وإذا كانت الحالة هكذا فلماذا كان أئمتنا يحثّون على طلب العلم حتى قالوا “نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل”؟!
هذا التشيّع هو الذي خَرَّج العظماء في مختلف العلوم الدينية والعلوم الإنسانية وفي الطب والهندسة والرياضيات.. وصنع مفكّرين قادوا مشاريع التغيير السياسي وصنعوا كفاءات إدارية ناجحة، لأنهم اتخذوا أهل البيت قدواتهم في كل المجالات ولم يختصروا منظومة تعاليمهم الحضارية في جزءٍ منها وبالطريقة المفرَّغة عن روحها.

● أرجو من شبابنا الراغبين في السير على نهج عليّ الأكبر أن يتأمّلوا لمَن قال الإمام الصادق (عليه السلام) هذه الرواية: “عَلَيْكُمْ بِالتَّفَقُّهِ فِي دِينِ اللَّهِ وَلَا تَكُونُوا أَعْرَاباً، فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِ اللَّهِ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يُزَكِّ لَهُ عَمَلًا”. بل وقال في رواية أخرى مشدِّداً: “ليتَ السّياط على رؤوسِ أصحابـي حتّى يتفقّهوا”. وهذا يجعلنا أن نُظهِر بعض الشدّة كلما رأينا سلوكاً إفراطياً عند بعض الشباب في اللطميات الأسبوعية وشبه اليومية وعدم حضور مجالس العلم والعلماء! نحن لن نختلف مع الرواية القائلة “وعلى مثل الحسين (عليه السلام) تُلطَمُ الخدود، وتُشَقُّ الجيوب” والتي استفاد منها بعض الفقهاء جواز خمش الوجوه، ولكن هذا في يوم عاشوراء وفي المجالس التي يكون فيها الجزع الحسيني حقيقة وليس تمثيلاً وتصنُّعاً ممن لم يتعلّموا من الدين غير اللطميات وخمش الوجوه!!
نحن أيها الأحبة مسؤولون أن لا نسمح للعقلية القشرية من السيطرة على شبابنا باسم الإمام الحسين وشعائره العظيمة؟!

● هذه قضايا لابد لنا أن نذكّر بها شبابنا في مثل هذه المناسبات لنبني شخصياتهم وفق الأصول المتوازنة بعيداً عن الإفراط بشيء والتفريط بشيء آخر. هكذا كان عليّ الأكبر في وعيه ويقظته وشهامته وأدبه وبطولاته.
فالشيعة بعد قتل المصلّين في المنطقة الشرقية دخلوا اليوم مرحلةً جديدة، فعلى الشباب أن يرتقوا في وعيهم للأمور ولا يكونوا كالسذّج في التعامل مع الأحداث. أنظروا مستوى الرشد عند شباب الشيعة في المنطقة الشرقية كم كانوا ناضجين.. فهذا الدكتور الأربش خرّيج جامعة أمريكا ولم يمض اسبوع على عقد قرانه هكذا يتحمّل مسؤوليته في منع الوغد التفجيري للدخول إلى المسجد، فيُستشَهد ليحمي المصلّين.. هذا هو مثال التأسّي بعليّ الأكبر. وكم نحتاج إلى مثل هؤلاء في دراستهم وتديّنهم وتضحيتهم.. وأكثر شباب المنطقة الشرقية هم كفاءات جامعية ومتديّنين وشعائريين بفهم ومعرفة. لذا قد أبهروا العالَم في إدارتهم لمصائبهم في الدالوة والقديح والدمام. -ربّنا عزوجل يحفظهم ويحفظنا من كل سوء-.

الأوضاع في المنطقة ستتأزّم أكثر ولا يعلم نهايتها إلا الله.. فهل نجد نحن حلاًّ عند عليّ الأكبر إبن الإمام الحسين الذي سأل أباه: أوَ لسنا على الحق؟ فقال له أبوه: نعم يا بُنَيّ نحن على الحق. فقال لأبيه: إذن لا نبالي بالموت.

● نعم.. الحلّ عنده هو التمسّك بالعظمة الحسينية من ألفها إلى يائها.. بأن نأخذ منه جميع حروف الأبجدية في النجاح وليس بعضها.. وهذا يحتاج منا إلى إرادة في تنفيذ هذه الآية الكريمة: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
فهل أدركنا واجبنا في ذكرى مولد عليّ الأكبر إبن الحسين سيد الشهداء؟!
اللهم وفّقنا لنيل المقام الذي يؤهلنا أن نكون من أصحاب الإمام الحجّة (أرواحنا فداه).

للاعلى