• مِن الآن:

ساهِم في تحرير عقلك…

الرسالة (9)

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)

في المجتمعات نوعان من الأفراد:

* نوعٌ عاقل، وهو الذي يمتلك صفات العقلاء المذكورة في روايات النبيّ وأهل بيته (ع).

* نوعٌ جاهل، وهو الذي ذكروا أيضًا صفاته في عكس صفات العقلاء.

فإذا كَثُر في أيِّ مجتمعٍ أيٌّ من النوعَين إصطبغ ذلك المجتمع بصبغته. ولكنّ التاريخ بشكلٍ عام شَهِدَ معشر الجهلاء أكثر، وقد أطلق عليهم بهلول -صاحب الإمام الصادق (ع)- كلمة المجانين في مجلس هارون العبّاسي لما أراد هارونُ أن يُضحِك عليه جُلساءَه من الوزراء والشخصيات الدنيويّة لديه، فسأله كم عدد المجانين في البلد يا بهلول؟
فأجابه بذكائه الخفيّ: أستطيع أن أُعِدّ لك عدد العقلاء فقط إن أردت!!

وفي بعض الروايات جُعِلَت صفة الحماقة بمثابة الجهل في مقابل العقل. حتى قال الإمام علي (ع): “عدوٌّ عاقل خيرٌ مِن صديقٍ أحمق”.

زماننا يعجّ فيه الجهلاء والحمقى وكذلك الأصدقاء الأغبياء حتى ارتفعت أصواتهم الهابطة عبر تكنولوجيا الإعلام. ولتكتشفهم وتكتشف نفسك أين محلّك منهم أنظر إليهم من نافذة هذه الرواية الشريفة:

قال النبي (ص) “صفة العاقل.. أن يحلم عمَّن جَهَلَ عليه ، ويتجاوز عمَّن ظَلَمَه ، ويتواضع لِمَن هو دونه ، ويسابق مَن فوقه في طلب البِرّ ، وإذا أراد أن يتكلّم تدبّر، فإن كان خيرًا تكلّم فَغَنِمَ ، وإن كان شرًّا سَكَتَ فَسَلِمَ ، وإذا عرضت له فتنةً استعصم بالله وأمسَكَ يدَه ولسانَه ، وإذا رأى فضيلةً انتهز بها. لا يُفارِقه الحياء ، ولا يبدو منه الحرص.

فتلك عشر خصال يُعرَف بها العاقل.

وصفة الجاهل.. أن يظلم مَن خالطه ، ويتعدّى على مَن هو دونه ، ويتطاول على مَن هو فوقه ، كلامه بغير تدبُّرٍ ، إن تكلّم أَثِمَ ، وإن سَكَتَ سها ، وإن عرضت له فتنةٌ سارَعَ إليها فأردَته ، وإن رأى فضيلةً أعرَضَ وأبطأ عنها ، لا يخاف ذنوبَه القديمة ، ولا يرتدع فيما بَقِيَ مِن عمره مِن الذنوب ، يتوانى عن البِرّ ويبطىء عنه ، غير مُكتَرِث لِما فاته مِن ذلك أو ضيّعه”.

تابِع معي لتساعد نفسك في تحرير عقلك كيلا يُوظّفك الأقوياء الماليّون والمتنفِّذون السياسيّون ورجال الدين المزيّفون وأهل الهوى الإعلاميّون في مصالحهم البعيدة عن نداءات العقل وقِيَم الدّين الحنيف ولا تكون دُميةً في لعبة الشطرنج لديهم من خلف الكواليس…

لذا أقول:

إنّ الجهلاء في مستويات أربعة:

• أ- البسطاء.. وأكثرهم على نيّاتهم، وتبدأ حالات السذاجة عندهم من البَلَه وتصل إلى الغباء.

• ب- الحمقى.. ويمتازون بالجرأة والعناد.

كلاهما يمارسان جهلهما وفق المثل القائل: حشرٌ مع الناس عيد!!

• ج- بين هذا وذاك يأتي المغفَّلون وهم طيّبون في الأصل ولكنّ البيئة التي هم فيها قد رمتهم في جهلٍ جزئيٍّ أو كلّيٍّ وهم لا يشعرون.

• د- القسم الذي يقودهم، وهو خليطٌ من المثقّفين ورجال الدين والسياسيّين والتجّار والإعلاميّين يجمعهم قاسمٌ مشترك هو الغياب العملي للعقل الفطري الذي يطابق الدين الحقيقي كما شرحناه في الرسائل السابقة بالإستناد إلى الآيات والروايات.

وهؤلاء على فئتين:

* فئة لا تعلم بحالها. فهي خبيثة.
* فئة تعلم بحالها وعلى ارتباط بالإستعمار. فهي أخبث.

وهنا لا غرابة إذا صدرت أنواع الظلم والفساد والسفاهة والبهتان من بعض المثقّفين والدينيّين.. لأن العقل المُطاع والتديّن التطبيقيَّ شيءٌ والعلم والثقافة وحُلو اللّسان شيءٌ آخر…

من هنا كان الذين يديرون الخيانات السياسيّة والسّرقات الماليّة وتفسيد الأفكار ونشر المعلومات المغلوطة في كافّة المجالات إمّا خرّيجو الجامعات اللّادينية وإمّا منحرفو الحوزات الدينيّة، وكلاهما يلتقيان معًا في مسار النفعيّة المادّية وحسابات المصالح الذاتيّة، وهذا المسار من عمق الجهل الذي يفرزه نفيُ العقل -بالمعنى القرآني والعتروي- عن الفاعليّة في الحياة.

نعم.. هناك حالة طارئة لكلّ عاقل حينما يقع فريسةً للغفلة أو السّهو نتيجة تعبٍ صحّي أو ضغطٍ نفسيٍّ أو أزمةٍ خارجة عن إرادته فيرتكب عملًا من أعمال الجاهل. إنّها من الإستثناءات التي يعرف العقلاء أنها مما لا تجوز صيدها عليه والتشهير به وحرق شخصيته بين الناس. وإنما يفعله الجهلاء بمستوياتهم الأربعة المذكورة (البسطاء، الحمقى، المغفَّلون، الخبثاء)

لهذا وردت في الإسلام توجيهات للوقاية والعلاج. ومنها ما يلي:

1/ النهي عن تتبّع العثرات.

يقول النبي (ص): “يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُخْلِصِ الإيمَانَ إِلَى قَلْبِهِ لا تَذُمُّوا الْمُسْلِمِينَ وَلا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِهِمْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ الله تَعَالَى عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي بَيْتِهِ”.

ويقول الإمام علي (ع): “لا تَفرَحنَّ بسَقطةِ غيرِك فإنّكَ لا تدري ما يُحدِث بك الزّمان”.

ويقول الإمام الباقر (ع): “إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى الْكُفْرِ أَنْ يُوَاخِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى الدِّينِ فَيُحْصِيَ عَلَيْهِ عَثَرَاتِهِ وَزَلاتِهِ لِيُعَنِّفَهُ بِهَا يَوْماً مَا”.

2/ الأمر بالتغاضي والتسامح والعفو وحمل فعل المؤمن على سبعين محمل خير. فقُل لعلّه كان معذورًا، ولعلّه كان في تقيّة، ولعلّه كان ساهيًا، ولعلّه اجتهد فأخطأ، ولعلّه قال أو فعل ذلك وهو في زمنٍ كانت ظروف الوعي فيه بهذا المقاس. فهو لم يتعمّد الخطأ ولو كانت الأدلّة لديه متوفّرة لما كان يقول كذا ويفعل كذا.
بهذه الأخلاقيّة الإيجابيّة في النقد العلمي يُعالَج العاقل الحكيم موقفه من الآخرين.

جاء أحد الشيعة إلى الإمام الكاظم (ع) وقال: جُعِلتُ فداك.. الرّجلُ من إخواني يبلُغني عنه الشيءُ الّذي أكرَهُ له، فأسأله عنه فينكُر ذلك. وقد أخبَرَني عنه قومٌ ثقات.
فقال (ع): “يا محمّد.. كَذِّب سمعَك وبصرَك عن أخيك ، فإن شَهِدَ عندك خمسون قسّامة ، وقال لك قولًا فصَدِّقه وكذِّبهُم ، ولا تُذيعَنَّ عليه شيئاً تُشينُه به ، وتَهدِم به مروّتَه…”.

3/ نصيحة السرّ والموعظة المباشرة.

يقول أميرالمؤمنين (ع): “مَن وَعَظَ أخاه سرًّا فقد زانَه، ومَن وَعَظَه علانيةً فقد شانَه”.

هذه التوجيهات وما ابتدأنا به أعلاه حول العقل والجهل إنما يريد بها أهل البيت (ع) تحرير عقولنا من أهواء التشهير والنّبش في الخلافات الماضية وعُقدة الإنتقام من الغير بالسّقوط في وحل إشاعة الفاحشة بين المؤمنين التي هدّد القرآن عليها -في الآية 19 من سورة النور- بالعذاب الأليم.

نستخلص القول في الخاتمة:

بأنّ العاقل لن يتأثر بالإشاعات الواتسابيّة ولا ما يُنفَث من سمومٍ في مجالس البطّالين -وكروبات السفهاء- ولاسيّما ضدّ مراجع الدّين وكبار العلماء الذين صرفوا حياتهم لخدمة الإسلام والمسلمين، وبالأخصّ الأموات منهم إذ هم الآن عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم. فليس من المروءة والشهامة اتهامهم بأدلّة ظنّية ومن منطلقات سياسيّة أو دوافع الثأر التاريخي والقرآن الكريم قد نهى عن ذلك قائلًا: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).

• أُنشُر…
لتساهم في تحرير العقول وحلّ الأزمات.

مع تحيّات:

عبدالعظيم المهتدي البحراني
1/صفر المظفّر/1438
3/نوفمبر/2016

للاعلى