إن كنتَ شيعيًّا
فهذه رسالتُك…

بيانًا هامًّا لسماحته بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري (ع) 8/ربيع الأول/1438

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن كنتَ شيعيًّا فهذه رسالتُك…

كان ذلك عنوانًا لكتابٍ صَدَرَ لنا قبل عشر سنوات تقريبًا في شرح رسالة الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) إلى شيعته.

أما اليوم فهو عنوانٌ لبياننا حول وصيّة حفيده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) إلى شيعته أيضًا.

فما أحوجنا في ذكرى استشهاده الذي نعظّم به الأجر لمولانا بقيّة الله الأعظم الإمام المهدي (أرواحنا فداه) إلى تقييم أنفسنا لنعرف المسافة بين سلوكنا وبين ما أراده منّا أهل البيت (عليهم السلام).

نعم.. إن كنتَ شيعيًّا فهذه رسالتُك. ما هي تلك الرسالة هنا؟

إنها الوصيّة التي تركها لنا الإمام العسكري وهو على فراش الموت الصّعب.. الشابّ الذي لم يكمل الثامن والعشرين من عمره الشريف وهو يقضي نَحبَه مسمومًا…

وصيّة تحمل إلى كلّ شيعيّ وشيعيّة واجباتهما تجاه المسيرة الشيعيّة المباركة التي يجب أن تمتدّ بسلام.. عابرة الأزمنة كلّها والمستطاع من الأمكنة تنسف من أمامها كلّ التحدّيات لتنتزع منها بلوغ القمّة في أهدافها الرساليّة تحت قيادة المهديّ من آل محمد (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين).

هي الوصيّة ذات المفاهيم العقائديّة، والتربويّة الفرديّة، والأخلاقيّة الإجتماعيّة، والوحدويّة الولائيّة الدَعَوِيّة…

ما أروعنا ونحن ندّعي التشيّع لأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن نمتثل بتلك التعاليم لنرتقي نحوٍ كمالات متعدّدة الجوانب مرقاةً مرقاةً.

فليقرأ كلّ واحدٍ منّا رسالته في هذه الوصيّة العظيمة إذن وقرارنا اليوم أكثر قوّةً من ذي قبل في المضيّ العمليّ بها حيث قال (ع):

﴿اُوصيكُم بِـتَقوَى اللّه ، وَالـوَرَعِ فـي دينِـكُم ، وَالاِجـتِهادِ للّهِ ، وصِدقِ الـحَديـثِ ، وأداءِ الأَمانَة إلىٰ مَنِ ائـتَـمَـنَكُم مِن بَـرٍّ أو فاجِرٍ ، وطولِ الـسُّجودِ ، وحُـسـنِ الجِوارِ (فَـبِهذا جاءَ مُـحَـمَّـدٌ صَلّىٰ اللهُ عَلَيـهِ و آلِـه) ، صَلّوا في عَـشائِـرِهِم ، وَاشهَدوا جَنائِزَهُـم ، وعودوا مَرضاهُـم ، وأدّوا حُـقوقَـهُم. فَـإِنَّ الـرَّجُلَ مِنكُم إذا وَرَعَ في ديـنِـهِ وصَدَقَ فـي حَديثِهِ وأدَّى الأَمانَـةَ وحَـسَّـنَ خُلُـقَـهُ مَعَ الـنّـاسِ قيلَ هذا شيعِـيٌّ، فَيَسُرُّني ذلِـكَ.
إتَّـقُوا اللّهَ وكونوا زَينًا ولا تَكونوا شَينًا.
جُـرّوا إلَـينا كُـلَّ مَـوَدَّةٍ وَادفَعوا عَـنّا كُـلَّ قَبيحٍ ، فَـإِنَّـهُ ما قيلَ فينا مِن حَـسَـنٍ فَـنَحنُ أهلُـهُ، وما قيلَ فينا مِن سوءٍ فَما نَحنُ كَذلِـكَ.
لَنا حَقٌّ في كِـتابِ اللّهِ وقَرابَـةٌ مِن رَسولِ اللّهِ وتَـطهـيرٌ مِنَ اللّه، لا يَـدَّعيـهِ أحَدٌ غَيرُنا إلاّ كَـذّابٌ.
أكـثِروا ذِكرَ اللّهِ وذِكرَ المَوتِ وتِـلاوَةَ القُرآنِ وَالصَّلاةَ عَلَىٰ النَّـبِـيِّ صَلّىٰ اللهُ عَـلَيـهِ و آلِـه ، فَـإِنَّ الصَّلاةَ عَلَىٰ رَسولِ اللّه عَشرُ حَسَناتٍ.
إحفَـظوا ما وَصَّيتُكُم بِهِ ، وأستَودِعُكُـمُ اللّهَ ، وأقرَأُ عَلَيكُمُ السّلام﴾

أيّها الشيعيّ…
أيّتها الشيعيّة…

لأجل نفسك وراحتك وسعادتك في الدنيا وخلودك في نعيم الآخرة.. خُذ تلك المضامين المقدّسة من توجيهات الإمام العسكري بجِدٍّ واجتهاد. فإنها تعاليم لو التزمنا بها ستتلاشى من حياتنا كلّ الرذائل التي أدخلت الناس في نفقٍ خانقٍ من الأزمات ونحن يمكننا ببركة هذه التعاليم من أئمّتنا الأطهار أن ننقذ أنفسنا منها. فالشعوب الأخرى تتمسّك بالحِكَم البسيطة من عظمائها وفلاسفتها وتمضي قُدُمًا في تقاليدها الفطريّة الحسنة، كما نشاهدها في أتباع الكنفوشيوس مثلًا. بينما نبيّنا العظيم محمد بن عبدالله والأئمة من أهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسلام) حِكَمُهم أعلى وأسنى وأنبل وأدقّ وأروع وأجمل وأعظم وأرقى وأكمل مما ورد عن غيرهم. فلماذا الجفاء لدى بعضنا وتجاهل وصاياهم النيّرة والإكتفاء بحبّهم المقطوع عن العمل؟!

إننا اليوم حيث تؤلمنا مصيبة استشهاد الإمام العسكري.. وغدًا كذلك سنتألّم من سلوك البعض القليل من الشيعة، حيث سيبدأ وباسم (فرحة الزهراء) يطلق عِنان حرّيته في التصرّفات الصّبيانيّة وربما ينشرها في مواقع التواصل الإجتماعي فيعطي صورة سيئةً للآخرين عن الشيعة والتشيّع هادمًا بها أتعاب الذين رسموا لهما صورةً حسنة…

نعلنها بكلّ مسؤوليّة إنّ هذا سلوك لا يتوافق مع وصيّة الإمام العسكري نصًّا وروحًا وقِيَمًا. لذا فالمطلوب منهم تجنُّبها واستبدالها بمجالس سرور مؤطّر:

* بالتقوى والورع {اُوصيكُم بِـتَقوَى اللّه ، وَالـوَرَعِ فـي دينِـكُم}…

* والأدب وحُسن الخُلق {وصِدقِ الـحَديـثِ ، وأداءِ الأَمانَة إلىٰ مَنِ ائـتَـمَـنَكُم مِن بَـرٍّ أو فاجِرٍ}…

* وعدم الإساءة إلى أهل السنّة ورموزهم {وحُـسـنِ الجِوارِ} وهو ما يتجسّد في وصيّته (عليه السلام) {صَلّوا في عَـشائِـرِهِم ، وَاشهَدوا جَنائِزَهُـم ، وعودوا مَرضاهُـم ، وأدّوا حُـقوقَـهُم} لأن الإساءة لا تجتمع مع تطبيق هذا المبدأ الرفيع في حكمة السّلم الأهلي الذي في مناخه تتحرّك العقول بالحوارات واللقاءات…

وأما الهدف من ذلك:

* فالسمعة الطيّبة للشيعي وإدخال السرور بها على روح الإمام المعصوم {فَـإِنَّ الـرَّجُلَ مِنكُم إذا وَرَعَ في ديـنِـهِ وصَدَقَ فـي حَديثِهِ وأدَّى الأَمانَـةَ وحَـسَّـنَ خُلُـقَـهُ مَعَ الـنّـاسِ قيلَ هذا شيعِـيٌّ، فَيَسُرُّني ذلِـكَ}…

* القضية هنا غير موكلة إلى مزاج الإنسان الشيعي ورأيه الشخصي بل هي أمرٌ من الإمام (عليه السلام) الواجب الطاع {جُـرّوا إلَـينا كُـلَّ مَـوَدَّةٍ وَادفَعوا عَـنّا كُـلَّ قَبيحٍ ، فَـإِنَّـهُ ما قيلَ فينا مِن حَـسَـنٍ فَـنَحنُ أهلُـهُ، وما قيلَ فينا مِن سوءٍ فَما نَحنُ كَذلِـكَ}…

سائلين من الله العليّ القدير أن يوفّقنا لفهم هذه الكلمات ويبصرنا حقيقة الطريق إلى رضاه لنكون ممن ينتصر بهم لدينه مع إمامٍ منصورٍ من آل نبيّه محمد (عليه وعلى آله الصلاة والسلام).

داعيكم:

عبدالعظيم المهتدي البحراني
8/ربيع الأول/1438
8/ديسمبر/2016

للاعلى