مِن الآن:

ساهِم في تحرير عقلك…

الرسالة (1)

إعلم بأنّ العقل هو أوّل مخلوقات الله في البُعد الملائكي والبُعد الإنساني.

فبالنسبة للإنسان -وهو موضوع رسائلنا الجديدة في هذه السلسلة الوجيزة- لا يمكن تكليفه بفعلٍ شيء أو تركه إلا بقوّةٍ في داخله قادرةٍ على إدراك الخير والشرّ، ليستطيع بعد الإدراك اتخاذ قراره العملي في مجال الحقّ والباطل والحُسن والقُبح.

وعلى هذا الأساس يأتي الجزاء العادل من الله للإنسان إما عقابًا بالنار وإما ثوابًا بالجنة.

من هنا أسقط الإسلام التكليف عن المجنون، ولكنّه أوجب على الجاهل أن يتعلّم. فإذا قال يوم القيامة: ربّي ما كنتُ أعلم. يردّ الله عليه: وهَلّا تعلّمتَ.

هذا ما قاله الإمام محمد الباقر (ع): “لما خَلَقَ الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبِل فأقبَلَ. ثم قال له: أدبِر فأدبَرَ. ثم قال: وعزّتي وجلالي، ما خلقتُ خَلقًا هو أحبّ إليّ منك، ولا أكملتُك إلا فيمن أُحِبّ، أما إني إيّاك آمُر، وإيّاك أنهى وإيّاك أعاقب، وإياك أثيب”.

لذلك حثّ القرآن الكريم على تحرير العقل من الأغلال المختلفة عبر التفكّر كما يتضح من خلال هذه الكلمات في الآيات الكريمة مثل: (أفلا يعقلون) و (أفلا يتدبّرون) و (أفلا يتفكّرون) وغيرها من الكلمات الباعثة على تحريك العقل والدعوة لتحريره.

ولا شك في أنّ طالب الحقيقة إذا أعمَلَ تفكيره بدقة وأجاد توظيف قواه العقلية فإنه سيهتدي حتمًا إلى الإقرار بوجود الله والقبول بتوحيده وما يستتبع هذه العقيدة من الإعتقاد بصفات الله وأهمها العدل. والإعتقاد بالنبوّة والإمامة واليوم الآخر وما في كل ذلك من تفاصيل. وهو في ظلّ الإعتقادات الصحيحة سيتصرّف صحيحًا مع نفسه وأهله والناس حوله. وهذا هو هدف الدّين في الحياة.

يقول الامام ﻋﻠﻲ (ع): “ﻫَﺒَﻂ ﺟﺒﺮاﺋﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺁﺩﻡ (ع) ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺁﺩﻡ ﺇﻧﻲ ﺃُﻣِﺮﺕُ ﺃﻥ ﺃُﺧﻴّﺮﻙ ﻭﺍﺣﺪﺓً ﻣﻦ ﺛﻼ‌ﺙ ﻓﺎﺧﺘَﺮﻫﺎ ﻭﺩَﻉِ ﺍﺛﻨﺘﻴﻦ.
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺁﺩﻡ: ﻳﺎ ﺟﺒﺮاﺋﻴﻞ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺜﻼ‌ﺙ؟
ﻓﻘﺎﻝ: ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺀ ﻭاﻟﺪّﻳﻦ.
ﻓﻘﺎﻝ ﺁﺩﻡ: ﺇﻧﻲ ﻗﺪ ﺍﺧﺘﺮﺕُ ﺍﻟﻌﻘﻞ.
ﻓﻘﺎﻝ ﺟﺒﺮاﺋﻴﻞ ﻟﻠﺤﻴﺎﺀ ﻭاﻟﺪﻳﻦ: ﺍﻧﺼﺮﻓﺎ. ﻭدﻋﺎﻩ ﻓﻘﺎﻻ‌: ﻳﺎ ﺟﺒﺮاﺋﻴﻞ ﺇﻧﺎ ﺃُﻣِﺮﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﻜﻮﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ.
ﻗﺎﻝ: ﻓﺸﺄﻧﻜﻤﺎ، ﻭﻋَﺮَﺝ”.

هذه الرواية الشريفة تبيّن حقيقة التلازم بين العقل والدّين والحياء، فمَن امتلك الأول سيمتلك الثاني والثالث بالتبع، ويعني أنّ العقل حاوٍ للدّين والحياء وليس العكس.

والدّليل ما تقرأه في القصة التالية التي في الأحاديث أيضًا وما أكثر مثيلاتها في حياتنا اليوم:

ورد أنّ عابدًا من بني اسرائيل كان يعيش في جزيرة، فعجبت الملائكةُ مِن كثرة تعبُّده، فأمَرَ اللهُ بعض ملائكته أن تذهب إليه لقياس درجة عقله، فنزلت إليه في صورة إنسان، حتى إذا استنئس لجلوسها قال للملائكة: يا ليت ربّي ينزل على حمارٍ فيأكل حمارُه هذه الحشائش في الجزيرة حتى لا تضيع هباء!!

إذن قد يتخذ الانسان جهله دينًا.. ويعبد ما يصنعه في مخيلته إلهًا.. ثم لا يستحي مِن فعلِ منكَرٍ والتبرير له بالدّين مثلًا…

نعم.. هذا كلّه يحدث لما يعدم التفكير بالعقل السليم.. بينما إذا فَكّرَ الإنسان عَرَفَ حقيقة الدّين وعاش بقيمة الحياء، فتلك هي السّعادة في الدّارَين.

من هنا وجب على الإنسان أن يساهم في تحرير عقله ليقوده إلى دينٍ صالح وعيشٍ بالقيم الإنسانية. وإلا فلا عذر له لو انطبقت عليه هذه الآية الكريمة:

(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).

• أُنشُر…
لتساهم في تحرير العقول وحلّ الأزمات.

مع تحيّات:

عبدالعظيم المهتدي البحراني

20/محرم الحرام/1438
21/أكتوبر/2016

للاعلى