الطريق إلى الزّواج الرّاقي

بمناسبة الأوّل من شهر ذي الحجّة.. الذِّكرى 1435 لزواج النّورَين:
الإمام عليٍّ وفاطمة الزهراء

(14) نصيحة مِحوريّة
إلى كلِّ زوجٍ وزوجة…

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

قال الله تعالى:

(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

وقال النبيّ الأكرم محمد (ص):

«خيار الرّجال مِن أمّتي خيارُهم لِنسائِهم،
وخيرُ النّساء مِن أمّتي خيرُهنّ لأزواجهِنّ».

وقال (ص) أيضًا: «مَن سَرَّهُ أن يَلقى اللهَ طاهرًا مُطهَّرًا فليَلقِه بزوجةٍ صالحة».

وقال الإمام عليّ (ع): «يَظهَر في آخر الزّمان واقترابِ القيامة، وهو شرّ الأزمنة، نسوةٌ متبرّجات، كاشفات، عاريات من الدّين، داخلات في الفِتَن، مائلات إلى الشّهوات، مُسرِعات إلى اللذّات، مُستحِلاّت للمحرّمات، في جهنّم خالدات».

وقالت فاطمة الزهراء (س) لزوجها عليٍّ (ع) ساعة وفاتها: «يا ابنَ عمّ إنه قد نُعِيَت إليّ نفسي، وإنني لا أرى ما بي إلا أنّني لاحقةٌ بأبي ساعةً بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياءٍ في قلبي.
قال لها عليٌّ (ع): أوصيني بما أحببتِ يا بنتَ رسول الله. فجلس عند رأسها وأخرج مَن كان في البيت.
ثم قالت يا ابنَ عمّ ما عَهَدتَني كاذبةً ولا خائنةً، ولا خالفتُك منذ عاشرتَني.
فقال (ع) معاذ الله، أنت أعلم بالله وأبَرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفًا مِن الله مِن أن أوبِخَك بمخالفتي».

وقال الإمام الصادق (ص): «جاء رجلٌ إلى رسول الله (ص) فقال: إنّ لي زوجة إذا دخلتُ تلقّتني، وإذا خرجتُ شيّعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك؟ إن كنتَ تهتمّ لرزقك فقد تكفّل به غيرُك، وإن كنتَ تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً.
فقال له رسول الله (ص): {بَشِّرها بالجنّة وقُل لها: إنّكِ عاملةٌ مِن عُمّال الله، ولكِ في كلّ يوم أجر سبعين شهيداً}».

وأما بعد:

السلام على كلّ زوجٍ وزوجة ورحمة الله وبركاته.

حيث كَثُرت في زماننا الأزمات والنّزاعات بين الزّوجين وارتفعت حالات الطلاق.. جئتُ في هذه السّطور ب(14) نصيحة سريعة للباحثين والباحثات عن سعادةٍ مستقرّة في حياتهم وحياتهنّ تحت عنوان: (الطريق إلى الزّواج الرّاقي).

وذلك تيمُّنًا بذكرى أرقى مصاديق الزّواج.. زواج الإمام عليٍّ أميرالمؤمنين وفاطمة سيّدة نساء العالمين (عليهما السلام) في الأوّل من شهر ذي الحجّة، السنة الثانية من الهجرة النبويّة الشريفة.

ولنبدأ من المعلومة التالية أوّلًا ثم نبني عليها تلكم النصائح التطبيقيّة:

فليعلم المتزوّجان أنّ الحياة الزوجيّة علاقةٌ مقدّسة وليست نزوة شهوات، فإذا تَعاهَدَا فيها على ما يرضي الله فإنّ الله سيُسعِدُهما فيها حتمًا ويحصلا على ما تشبعهما غريزيًّا أيضًا، ولهما بعد هذه الحياة الفانية سعادةٌ أبديّة في الجنة مع لذّات لا تُقاس بلذّات الدنيا. حيث وصفها النبيّ (ص) بأنّ «فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خَطَرَ على قلبِ بشر».

بهذه العقيدة ننطلق في بناءِ ما يلي:

*1/ ضرورة القراءة حول ثقافة العلاقات الزوجيّة وأساليب الإسعاد المعيشي، إذ ليست النزاعات والإخفاقات بين الزّوج والزّوجة إلا نتيجة عدم معرفتهما بما عليهما من واجبات وحقوق، وعدم وعيهما لإدارة المشاكل الطارئة وحلّها قبل أن تتراكم وتتعقّد.

في هذا السّياق.. من المهمّ جدًّا أن يقرأ الزّوجان ما يجعلهما يتبادلان الفكر والكلام الطيّب فيكون لديهما مخزونًا من المادّة الثقافيّة للحديث عن مختلف شؤون الحياة حينما يتحادثان في القضايا ذات الإهتمام المشترك. مثل دور الأخلاق الإسلامية في صناعة النجاح والسعادة الأُسريّة. ومثل الحديث حول تربية الأطفال، وحول الصحّة والعلاج والطّبخ، وترتيب محتويات الصالة وتنظيم أشياء الحُجَر، وتعطير الحمّامات، وتزيين الزوايا بالزّهور والمزهريّات، وحتى حول تخليص المعاملات الإداريّة وما أشبه.

فإنّ المعلومات الحياتيّة تسهّل مسيرة الحياة بين الزّوجين وتجعلهما يثقان في قُدُرات بعضهما البعض في تدبير المعيشة.

تمامًا كما لو أراد أحدُنا تأسيس مشروع، فإنه إن لم يقرأ حوله فسيخسر رأسماله ويندم. ولكنّه لو دخله بمعلومات لَرَبَحَه.

* 2/ التعرّف على القدوة الصالحة كمعيار في تنظيم بوصلة الطريق الذي يجنّبهما عن العثرات والمطبّات، فليكن قدوة الزوج هو النبيّ الأكرم والأئمة من أهل بيته والصالحين من أصحابه، ولتكن قدوة الزوجة هي زوجات أولئك الطيّبين وبناتهم مثل السيدة خديجة وإبنتها فاطمة الزهراء وإبنتها السيدة زينب بنت الإمام علي. ذلك ﻷن سيرة هؤلاء في علاقاتهم الزوجية وتربية أبنائهم وبناتهم تضئ لنا السّلوك الناجح، ثم لا نحتاج بعدها إلى الأخذ من الأفكار السامّة التي تبثها الأفلام الأجنبيّة والمسلسلات المُنحطّة التي تُعَدّ سلفًا لهدف تدمير الأخلاق العائلية وتفسيد شباب وشابّات المسلمين بطريقةٍ مباشرة وغير مباشرة. وهذا ما نشاهده على أرض الواقع الفاسد من التبرّج والسفاهة والحماقة والضّياع والسقوط في الزّنا والخيانات الزوجيّة عبر كلمات الحُبّ الزائفة والوعود الفارغة على سراب الشيطنة. والضحايا التي يتمّ الضّحك على عقولها -إن كانت لها عقلٌ!!- هي البنات.

ولكنّهنّ لو عرفن القدوات العفيفات لما خدعهنّ الذئاب. كذلك لو عرف الشباب تلك القدوات الصالحة لما صاروا فاقدي الغيرة في المجتمع.

* 3/ إحترام الزّوج لزوجته كإنسانة، واحترام الزوجة لزوجها كإنسان، وذلك باعتبار الكرامة الآدميّة التي فضّلهما الله بها على كثيرٍ ممن خَلَقَ تفضيلًا.

فليس من شكّ أنّ في تبادل الإحترام تكمن السعادة التي ينشدها الزّوجان من قبولهما للحياة الزوجيّة.

إنّ أهمّ عنصر في الإحترام هو استخدام الألفاظ المؤدَّبة، واجتناب الكلمات المُهينة والتصرّفات الحاطّة للكرامة، وعدم البَوح بالأسرار المنزليّة لأحدٍ خارج الدائرة الزّوجيّة، وخاصة ما يتعلّق بخصوصيّات الفراش…

* 4/ الإلتزام العملي بالواجبات الدينيّة عمومًا وما يجب من حقوقٍ على الزّوج لزوجته وعلى الزّوجة لزوجها، فإنّ الله لم يشرّع واجبًا ولا يوجب حقًا إلا أراد منهما خيرًا للفرد وللأسرة، وبالمآل يعود نفعُه إلى المجتمع والأمة والبشريّة.

فليعلم الشابّ المتزوّج والشابّة المتزوّجة أنّ العمل بخريطة الدّين للحياة يجلب لهما الخير والهناء، ولا يأخذا الدّين إلا من أهله الصادقين وليس من الفاسدين في ثوب الدّين.. وهو بريء منهم.

* 5/ التعاهُد مع النّفس على الإستمرار في الحياة الزوجيّة وعدم التأثر بالأخطاء والنواقص الطبيعيّة حيث لا يخلو منها أيّ إنسان، ذلك لأن مجرد التفكير السلبي في النصيب وعدم القناعة والرضا من بعض النواقص يجعل العلاقات غير مستقرّة بين الزّوجين. ثم تنتقل آثار هذا التفكير السلبي إلى مرحلة البروز وتنفجر في مشاجرات بُركانيّة.

* 6/ الحذر من الشكّ في عفّة الزوجة ما لم يقم عليها دليلٌ شرعي – والعياذ بالله – وكذا الشكّ من جانبها تجاه زوجها، إلا إذا كان من حلالٍ وبشروط العدل الشرعي، وليس للطيش واللّعب واتّباع الهوى.

فعلى الزوجة هنا أن تحترم حقّ زوجها إذا كان قد احترم حقّها فلا تجعل حلال الله عليه حرامًا، لأنّ الله سينقم عليها وتنتهي حياتها إلى نار تحرق الأخضر قبل اليابس!!

والنصيحة لهذا الزوج أن لا يظلم زوجته، فإن لم يستطع العدل فواحدة وكفى. ذلك ما أَمَرَ الله به في محكم كتابه الكريم.

وعليه فلا للزوجة أن تعيش على وَجَل وخوف.. تقضي ساعاتها بهواجس.. فتراقب زوجها وتتجسّس عليه!!

إنّ هناك اهتمامات أخرى لو صرفت بعض هذه السّاعات عليها لكسبت زوجها وعاشت سعيدة بهدوء البال.

* 7/ العفو والتسامح.. ذلك عندما تصدر من أحد الزّوجين زلّة. ولقد كتب الله على نفسه الرحمة ليكون عفوُه سببًا في عودة المخطئين إلى جادّة الصلاح، ويكون تسامحُه فرصةً لهم للتصحيح.

أليس على الزّوجين أن يتعلّما من الله هذه الأخلاقيّة الراقية فيتعاملا مع بعضهما على ضوئها رغبةً في أن يتعامل الله بها معهما متى ما طلبا منه العفو والتسامح.

من هنا كانت المبادرة في التقرّب إلى الآخر وخَلق أجواء المرح والمزاح تأتي بنتائج جميلة في ترميم التوتّر الحادث ثم توثيق العلاقة بين الزّوجين.

* 8/ الرّفق واللّين مما يمنع الخلافات الحادّة. فالعقلاء دائمًا يختصرون الطريق لحلّ المشاكل عبر الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالّتي هي أحسن. هكذا يمكن للزّوجين أن يهنئا بالنتائج السارّة فيخمدا نيران الغضب بينهما قبل اشتعالها وخروجها عن السيطرة.

* 9/ من الضروري اعتماد لغة البشاشة والإحتفاظ بالبسمة عاليةً في الوجه، لأن الإكفهار والعبس و(البرطمة) والصمت بين الزوجين وكذلك الصّراخ يسبِّب جفاف العلاقات بينهما وفتور الحُبّ والإرتباط، ويتولّد منه الألم النفسي، ويتبعه التدرّج الإنحداري، ثم يحدث الإنفصال الرّوحي ما ينتج طلاقًا عمليًّا قد ينتهي إلى طلاق رسمي في المحكمة، وهذه فاجعة، وإذا كان بينهما أطفال فهي كارثة.

لذا يتعيّن على الزّوجين تفادي مقدّمات هذه المأساة، وعدم التسرّع في اتخاذ قرار الطلاق إلا بعد انسداد كلّ السُّبُل، وإذا كان ولابدّ فلا يكون بأحقاد وعداوات.

وهنا ننصح في مجال المقدّمات بعدم إطلاق كلمة الطلاق على اللّسان عند كلّ خلافٍ وأقلّ زعلٍ ونقاش، حتى بالمزح والهزل. فما أكثر الحالات التي تركت هذه الكلمة الهدّامة أثرها شيئًا فشيئًا حتى صارت حقيقةً مُرّة.

* 10/ على الزّوج كما على الزّوجة أن لا يشمّ أحدُهما من الآخر رائحةً كريهةً قدر الإمكان، فالنّظافة البدنيّة واللّباس الجذّاب والعطر الطيّب ورائحة الفمّ العذبة.. أمور يجب أن تكون حاضرةً في البيت بشكلٍ عام وفي حجرة النّوم عند الخلوة الزوجيّة بشكلٍ خاص. وأقلّ النّظافة أن يستحمّ الزّوجان قبل ذهابهما إلى السّرير.

* 11/ الإهتمام المتبادَل من الزّوج لزوجته ومن الزّوجة لزوجها، بأن يُظهِرا لبعضهما البعض حبّهما في التطبيق العمليّ والتعاون المنزلي. وبالأخصّ عندما يمرض أحدُهما، فلا يتركه الآخر ويذهب لأموره الذاتيّة، فإن التضحية والإخلاص والإيثار ونبذ الأنانيّة من أهمّ أدوات السعادة الزوجيّة، خاصةً إذا عرف كلٌّ منهما بأنّ الدنيا دوّارة (يومٌ لك ويومٌ عليك)!!

ولو حَصَلَ مثل هذا الإهمال.. فالصّبر ثم الصّبر هو الوسيلة الفُضلى لإرجاع الضمير إلى مداره الفاعل.

* 12/ بما أنّ الحياة الزوجيّة علاقةٌ مشتركة بين إنسانٍ وإنسانة فإنّ عليهما تقوية اللغة المشتركة بينهما ليفهما مشاعر بعضهما البعض بسهولة، ولا يجلسا معًا كالطرشان، أو يُرهِقا أنفسهما في الجدال والقيل والقال!!

إنّ اللغة الهادئة جسرٌ للتفاهم، وإجادتها فنٌّ يتعلّمه النّاجحون لبلوغ الهدف ولاختصار الطريق إليه بالسّلامة.

ولقد أفسدت حياةَ الكثيرين ظاهرةُ المسك بالموبايل والإفراط في متابعة الأمور الواتسابيّة ومواقع التواصل الإجتماعي.. فجعلت المحادثة بين الزّوجين قليلةً، وهذه طامّةٌ يريدها الأعداء لهدم البيوت وتفتيت العوائل. فهل يستفيق الشباب والشابّات من هذا الخطر قبل أن يُداهِمَهم؟!

* 13/ عدم السّهر خارج البيت وترك الزّوجة فيه وحيدة، وكذا العكس لما تترك الزّوجةُ زوجَها وحيدًا لتنصرف إلى الطلعات مع صديقاتها، أو العكوف الطويل في بيت أهلها، أو التأخُّر في المجالس، وحتى المجالس الدينيّة كما يفعله كثيرون وهذا لا يجوز!!

* 14/ إنّ الحياةَ الدنيا دارٌ مؤقتة ونهايتها حتميّة، وليس الزّوج ولا الزّوجة قادران على البقاء فيها كما يشتهيان، فما أروع الإنسان عند وعيه لهذه الحقيقة أن يعيش مع شريكة حياته أو هي تعيش مع شريك حياتها بلا منغّصات وبلا مواقف مُجحِفة في النزاعات الزوجيّة.

دارٌ لا يطول فيها عُمرُ الإنسان كثيرًا -ما عدا موت الفجأة وموت الحوادث وما أكثرهما-.. ففي مثل هذه الدّار يحكم العقل بعدم الإشتغال بالتوافه والنّزول إلى مستنقع الجهل والصّراعات الجاهليّة.

* وأخيرًا:

يحتاج تنفيذ هذه النصائح القيّمة إلى عامِلٍ مضمون الأثر.

وليس هنالك عامِلٌ كالتّقوى.. فما هو التقوى؟

إنه عِلمُ الإنسان بأنّ الله حاضرٌ عند كلّ صغيرةٍ وكبيرة، وأنه يرى الأمور بخفاياها وآثارها الممتدّة، وأنه يسجّلها في صحيفة عمله ليوم الحساب إمّا للثواب وإمّا للعقاب…

فعند تحلّي الزّوجين بهذا التقوى سيتحرّك الضمير فيهما إلى الأمام ويقودهما عقلهما نحو الهناء وراحة النّفس، ثم لا يظلم أحدهما الآخر مهما اختلفا.. وإذا اختلفا سيختلفان بورعٍ وأخلاقٍ وأدبٍ وعدالةٍ تُفضي إلى حلولٍ طيّبة.

أشكركَ أيّها الزّوج.. وأشكركِ أيّتها الزّوجة حيث قرأتُما رسالتي هذه…

وكلّي أملٌ في أن تهتمّا بها.. علمًا بمضامينها وعملًا بها.. وتتذكّرا التعليمات فيها باستمرار وتنشراها لمن تُحبّان لهم الخير والسّعادة…

دُمتُما سالمَين بسلامة الفكر والدّين والنّفس والبدن والرّزق الحلال الطيّب.

مع تحيّات:

عبدالعظيم المهتدي البحراني

1/ذي الحجة/1437

محافظة المحرق
مملكة البحرين

للاعلى