•دعائم الإدارة الناجحة•

تلخيصًا لكلمة سماحته خطابًا إلى منتسبي ومنتسبات حسينية أهل البيت (عليهم السلام) في مجلسه الأسبوعي (ليلة الخميس) 18/شعبان/1437.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)

الحديث هذه الليلة خاص حول إدارة العمل الحسيني.. وتحديدًا حسينيتنا المباركة (حسينية أهل البيت) حيث ستنتهي مدّة إدارتها مطلع شهر رمضان ويتمّ الإعلان في الأسبوع القادم عن إدارة جديدة لمدّة سنتين قادمتين.

حديثي يدور حول ستّ دعائم أساسية في الإدارة الناجحة وأرجو أن يستمع إليه الإخوة والأخوات جيّدًا ولا أخفيكم عتبي على الذين لا عذر لهم في عدم الحضور هذه الليلة رغم الإعلان المنشور!!
وهؤلاء ليس لهم حقّ في الإعتراض علينا أو على الإدارة وهم لا يعرفون آراءنا وأهداف الإدارة.

الدعامة الأولى: {وجود القائد}

إنّ لكل دينٍ نبيّ، ودين الإسلام نبيّه محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله)، ولمذهبنا في كل زمان إمامٌ، ولمّا غاب الإمام الثاني عشر (عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام) وجّه مسؤولية القيادة إلى نوّابه المراجع العدول، وفوّض المراجع إلى وكلائهم المنتشرين في العالم مسؤولية شؤون الناس الدينية من حسينيات ومساجد ومدارس حوزوية وفعاليات إرشادية وأمور قضائية وما أشبه.

هذا هو النظام الإداري عندنا في الإسلام ومنه يستمد عالم الدين شرعيّته في إدارة الأمور المنوطة به دينيّاً.

إذن لا يمكننا الإستغناء عن القائد.. فبدءًا من الله عزوجل وهو قائد الكون كلّه ومرورًا بالأنبياء والأوصياء وانتهاءًا بالمراجع والعلماء الوكلاء تتحرّك المشاريع ذات الصلة بدين الله تعالى.

ولكن القائد هنا له مواصفات.. ذكرت منها هذه الآية الكريمة خطابًا إلى النبي (ص) وإلى السلسلة القيادية من بعده إلى يوم القيامة: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).

هذا ما نطبّقه في مشاريعنا التي وفّقنا الله إليها في الحوزة والحسينية والجمعية والمسجد ومركز العترة لتحفيظ القرآن. باعتبارنا الوكيل لما يقارب العشرين من مراجع الدين وموضع ثقة المؤمنين فقد عيّنا منذ اليوم الأول هيئة من الأصدقاء المحترمين نتشاور معهم ويصنع القرار بالأكثرية، وحينما تتعسّر ولادة القرار تكون كلمة الحسم بيدي.

الدعامة الثانية: {الجمهور المؤدَّب}

قال الله عزّوجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ… لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا)

من الضروري أن يحترم الجمهور العالم الذي يمثّل المرجعية بينهم فلا يحسبوه كأحدهم ويخاطبوه باللغة التي يخاطبون بها بعضهم البعض. كان بعض الأصحاب يأتي وراء جدار بيت النبي الأكرم ويناديه كما ينادي واحدًا من الناس العاديين.. فنهاهم الله ونهرهم.
يقول النبي العظيم: “العلماء ورثة الأنبياء”
وهل يتعلّم البعض كيف يحترم العالم الصالح؟!
ومن الإحترام طاعته وإلا صرنا مثل الجمهور الذي لم يطع الإمام علي فأضعفوا مشاريعه فقال عن حاله معهم: “لا رأي لمن لا يُطاع”.

الدعامة الثانية: {الكفاءات الأمينة}

النبي يوسف لما قرّبه مَلِك مصر ولم يكن مؤمنًا بالله طبعًا طلب منه الحقيبة الإقتصادية: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، وكان كفوءًا لهذا المنصب لأنه حافظٌ على الأمانة وعالمٌ بالخطط الإنمائية وما يتصل بالمال والإقتصاد.

وكذلك إبنة النبي شعيب قالت لأبيها عن كفاءة النبي موسى وأمانته: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} فالقوّة هنا والأمانة من أهمّ ركائز المسؤولية.
ونحن نطالب الكفاءات أن يتطوّعوا لاستلام مسؤوليات الخدمة الحسينية، ففي ذلك كل الثواب من يد الحسين (عليه السلام). نعم من يرى نفسه مؤهَّلًا للخدمة فليتقدّم لا من يريد إشباع غريزة الأنا وحبّ الظهور.

الدعامة الثالثة: {التخطيط الممنهج}

ويعني النظرة المستقبلية للإنجازات، فالقائد والمدير ومن يتحمّل أية مسؤولية في الحسينية أو الحوزة أو المسجد وما أشبه يجب أن يكون قادرًا على التخطيط أو يستفيد من العقول المخطِّطة. ففي قصّة النبي يوسف: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)

وللتخطيط ظلعان أساسيان:

* التركيز على الهدف
* التنسيق بين الجهات العاملة

وهذا ما وضعناه نصب أعيننا يوم توكّلنا على الله وتعاون معنا جمعٌ من الإخوة الأعزاء جزاهم الله خيرًا لتحقيق ما تمّ تحقيقه خلال مدّة قياسية.

الدعامة الرابعة: {تنظيم الأمور}

ويعني ترتيب الأولويات وتعيين المدراء والأفراد وتفويض المسؤوليات إليهم.

والتنظيم أساس الخليقة.. حتى بارك الله لنفسه على خلقه لهذا الكون المنظَّم وفق دقة حسابية لا خلف فيها بأقلّ القليل. (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِنْ فُطُورٍ).

ومن هنا أوصانا أميرالمؤمنين (عليه السلام):
“أُوصِيكُمَا وَ جَمِيعَ وَلَدِي وَ أَهْلِي وَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَ نَظْمِ أَمْرِكُمْ وَ صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُم”.

لذا أدعو الإخوة والأخوات إلى تنظيم أمورهم الإدارية في الحسينية واللجان التابعة لها من الموكب والمطبخ والشبيه والصوتيات ومواقف السيارات والنظافة واستقبال الناس واحترام كبار السنّ والترحيب بالضيوف وغير ذلك.

الدعامة الخامسة: {التوجيه والنصيحة}

(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ۖ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)

الموعظة.. العجيب أن البعض يزعل من النصيحة ويرفض النقد ولا يحب أن يسمع التوجيه.. يقف خارج الحسينية ولا يدخل ليستفيد.. أو يدخل فقط قسم النعي أو اللطم. لا يريد أن تزداد معلوماته الدينية وينضج فكره إسلاميًّا.

هذا تكابر واستعلاء ونوع من العُجب بالنفس وهو دليل ضعف العقل كما في روايات أهل البيت (عليهم السلام). إنّ على الإداريّين أن يسعوا صدورهم للناس، وعلى الناس أن يحسنوا طريقة النقد، وعلى الجميع أن يطلب زيادة العلم ويهتمّ بثقافته الإسلامية.

تأمّلوا في الآية.. إن الله يقول لنبيّه (قُلْ) يعني قل للناس.. قل للأصحاب (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ) هذا هو دور القائد في التوجيه.. أنِ اجعلوا قيامكم لله. فالذي لا يقوم لله سيقوم لهواه. وهنا بؤرة الخلافات. نعم.. وليكن القيام في سبيل الله (مَثْنَىٰ) جماعي و( َفُرَادَىٰ) يعني لا مانع من المبادرات الفردية في إطار الهدف المشروع وهو القيام لله. والمهم بعد ذلك هو (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) ويعني تقييم العمل ودراسة الإيجابيات والسلبيات فيما قمنا به.
لذا نحن في جلساتنا الإدارية نجلس ونتناقش ونحاسب ونقرّر برفقة الأصدقاء في الهيئة العليا. هذا لعلم الجمهور نقول كي يعرفوا طريقة إدارتنا. هذا ولابد للذين يعملون معنا أن يعرفوا آراءنا كيلا يتفاجأوا إن وقفنا في وجوههم عندما يصرّون على الخطأ.
نحن مسؤولون أمام الله وأمام مرجعيتنا وأمام الناس الذين ائتمنونا فلا نسمح لمن يجهل آراءنا أن يمارس هواه باسمنا وغدًا يحاسبنا الله والمرجعية والناس.
فليعلم البعض مهما خدم فإنه إذا يومًا أراد السير على خلاف شرع الله سيرانا في وجهه ناصحين ابتداءً ثم نقول له تفضّل لا مكان لك في الإدارة. وكلّكم جرّبتموني أنني لا تأخذني في الله لومة لائم.

الدعامة السادسة: {الرقابة والجزاء}

إن الإدارة الناجحة يراقب مديرها العاملين معه وتحت مسؤوليته.. ينظر إلى المحسن منهم ويكافؤه على إحسانه، وينظر إلى المسيء منهم وينذره الإنذار الأول ثم يعاقبه بما يناسب الموقف. دقّقوا فيما كتبه الإمام علي (ع) في عهده إلى مالك الأشتر: “ولا يكن المحسنُ والمسيء عندَك بمنزلة سواء؛ فإنَّ في ذلك تزهيدًا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبًا لأهلِ الإساءة على الإساءة، وألزم كلاًّ منهم ما ألزم نفسه”.

وهذا ما يدعمه القرآن الكريم في قوله عزوجل:
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

إنني في ختام حديثي: أطلب من الإدارة الجديدة للحسينية والتي سيُعلَن عنها الأسبوع القادم الأخذ بهذه الدعائم الإدارية والمفاهيم الأخلاقية في إنجاح عملها وأن تقود مسؤولياتها بمبدأ “الحزم في اللّين”. الحزم في جوهر العمل واللّين في مظهر العمل.
أسأل الله لي ولكم كل الخير في الدنيا وكل الفوز في الآخرة بجاه النبي الأكرم وعترته الطاهرة (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين).

للاعلى