وُلِدَ الحسينُ
وهل نولد معه في رسالته؟

مكتب العلامة المهتدي في البحرين ينشر تلخيصًا لمحاضرةٍ ألقاها سماحته ليلة الثالث من شهر شعبان (1437) بمناسبة مولد الإمام الحسين (عليه السلام) بدعوةٍ من مأتم القصّاب في مأتم المديفع بالعاصمة المنامة.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)

(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ)

* ماذا أقول في الحسين بن عليّ سبط النبيّ المولود الوحيد الذي بكاه أهلُه حين ولادته لما أخبر جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه ستقتلُه الفئة الباغية.

* ماذا أقول في الحسين بن عليّ سبط النبيّ الذي فداه جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بولده إبراهيم حينما نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) وكان على فخذه الأيسر إبنُه إبراهيم وعلى فخذه الأيمن سبطُه الحسين فأبلغه سلامَ الله تعالى عليه وبأنه يخيّره بين أحدهما والآخر سيتوفّاه. فوافق الحبيب المصطفى على أن يُقبَض روح إبنه فداءًا لسبطه الحسين، فكان (صلى الله عليه وآله) كلّما رأى الحسين (عليه السلام) مُقبِلًا ضمّه إلى صدره وقبّله، وقال: فديتُ مَن فديتُه بإبني إبراهيم.

* ماذا أقول في الحسين بن عليّ سبط النبيّ وقد قال فيه جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله): “حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا”.

* ماذا أقول في الحسين بن عليّ سبط النبيّ وهو الصبيّ ذو ستّ سنوات وسبعة أشهر يعارض حاكمًا غَصَبَ خلافة أبيه.. إذ دخل مسجد جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرآى فلانًا جالسًا على المنبر فصعد إليه وقال له أُنزُل من منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك!!
فلم يُحِر جوابًا إلا أن يعترف قائلًا: ليس لأبي منبر!!
هكذا أسقطه الحسين بين يديه وأحرجه أمام الحاضرين ولم يقل له عن منبر جدّي بل قال عن منبر أبي لأنه يريد الدفاع عن الخلافة الشرعية!!

* ماذا أقول في الحسين بن عليّ سبط النبيّ الذي ضرب أروع الأمثلة في روائع الأدب الإنساني حينما دخلت عليه جارية من إمائه فَحَيّته بباقة ريحان، فأخذ منها الحسين وقال لها: “أنتِ حُرّة لوجهِ الله”.
فقال له أنس وكان جالسًا عنده: تُحيّيك بباقة ريحان لا خطر لها (أي لا قيمة لها) فتَعتِقَها؟
فقال الإمام (عليه السلام): كذا أدبنا الله الذي قال: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) وكان أحسن منها عِتقَها أيضًا”.
والحسين في كربلاء يضع خدّه الشريف على خدّ العبد الأسود كما وضعه على خدّ ولده عليّ الأكبر.. هكذا هو الإنسانية التي تجلّت قبسات منها في شخصية الإمام الحسين (روحي فداه).

* نعم.. ماذا أقول في الحسين بن عليّ سبط النبيّ وهو الوحيد في العالم كلّه الذي وُلِدَ مرّتان.. مرّة في الثالث من شهر شعبان وأخرى في العاشر من شهر محرّم الحرام حيث أكملت الثانيةُ الأولى ببركات لازالت ممتدّة إلى يومنا وإلى يوم القيامة وسننعم بها حتى في الجنة للأبد. ففي الأولى وُلِدَ بولادته الخير كلُّه وفي الثانية وُلِدَ باستشهاده الفوز والعزّ والمجد والإباء والأخلاق والشموخ والكرامة كلّها.
ولقد عاش بينهما ستًّا وخمسين وتسعة أشهر وعشرة أيام.. حياةً مليئةً بالعلم والعبادة والأخلاق المناقبية الرائعة ومواقف الشهامة والشجاعة أحيا بها حقيقة الإسلام وروح الإنسانية.

أيّها الإخوة الكرام:

مهما أقول وأقول لن أدرك قليلًا من عظمة هذا الإمام الذي كتب الله على يمين عرشه: “إنّ الحسين مصباح الهُدى وسفينة النجاة”.

ولكن لِنكُن جديرين بالتشيّع له واتّباعه بصدقٍ كما هو يريد لا كما يحلو لنا وكما تُمليه علينا أمزجتُنا!!

لِنكُن بمستوى الإنتماء حينما ندّعي أننا حسنيّون.. فهل نحن عقائديّون إصلاحيّون أخلاقيّون إبائيّون؟!

لِنكُن في ثقافتنا وأفكارنا ما لو سألنا الحسين من أين تأخذون مفاهيمكم الثقافية والفكرية؟ فنقول له سيّدي نأخذها من كتاب الله وسُنّة جدّك رسول الله وأقوال أبيك عليٍّ وليّ الله وأمّك الزهراء وأخيك الحسن وأولادك الهادين المهديّين. ولن نلتقط سمومًا معها يا مولاي.

فلنعاهد هذا الإمام وجدّه وأمّه وأباه وأخاه والتسعة الأئمة من بنيه أن نغيّر ما بأنفسنا ليتغيّر واقعنا نحو واقع سليم ننقذ به البشرية بديننا وأخلاقنا وتقوانا وحكمتنا ووحدتنا ونضجنا وتركنا للمعاصي وسفاسف الأمور وتوافه الحياة المادّية.

إخوتي الكرام:

إنني في ختام كلمتي بهذا الحفل البهيج أقول لي ولكم:

إنّ الحسين أعظم من كل مظاهر الفرح التي نقوم بها في مولده ومظاهر الحزن التي نُحييها في شهادته.. هذه العظمة لو اكتشفناها وسرنا على ضوئها بالعنوان الصحيح سنُفشِل كلّ المخطّطات التي رصدها أعداء الحسين ليسلبونا الحسين الحقيقي ويعطونا بدلًا عنه حسينًا بمقاساتهم المزيَّفة!!

من هذه المخطّطات:

1/ إظهار الحسين رجلًا سياسيًّا ثوريًّا بلا عقائديات معه ولا عباديات ولا أخلاقيات ولا شعائريات بكائية.

2/ إظهار الحسين في جهة العكس.. شعائر عزائية خالية الهدف ومقطوعةٍ عن مقاصدها الإصلاحية الكبرى.

3/ غزو الشباب بأفكار خرافية متطرّفة باسم الحسين والولاية والبراءة واستخدام لغة الفحش والبذاءة ضدّ الآخر كوسيلة لنصرة الحسين!

4/ زرع مظاهر التفسّخ والإثارات الشهوانية في طريق المواكب العزائية. فالبنات المتبرّجات في الشوارع من أخطر سهام الشيطان لقتل الروح الحسينية في الشباب.

5/ الإفراط في توزيع الأطعمة وقد تجاوز حدّ الإسراف ونسي البعض في هذه المضائف الجانب الأهمّ وهو توزيع طعام الفكر الحسيني والإرشاد التربوي. إنّ المال الذي يذهب لغذاء البطون يجب تخصيص قسم منه لطباعة كتيّبات وإعلانات صغيرة تحتوي على كلمات الإمام الحسين ولاسيّما في البُعد التربوي والأخلاقي والإنساني لتغذية العقول بما يقرّب هذا الجيل إلى رسالة الحسين وأهدافه.

ففي ولادة الحسين فرصتنا لكي نولد معه في رسالته وقيمه وأهدافه.. وإلا سنخسر الحضور مع حفيده الإمام المهدي (عليه السلام) حين ظهوره كما خسر الذين جاؤوا إلى كربلاء ثم غادروها لدنياهم الفانية وخسروا رضوان الله الأكبر.. أولئك الذين قال عنهم الإمام الحسين (عليه السلام): “إنَّ النّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيا وَالدِّينُ لَعِقٌ عَلى ألسِنَتهم، يَحُوطُونَهُ ما دَرَّت مَعائِشُهُم، فَإذا مُحِّصُوا بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّيّانُونَ”.

اللّهمّ اجعلنا حسينيين ولا تجعلنا من الخاسرين.

للاعلى