مع مَن يجب أن نتعامل
كي نسعد في الدنيا والآخرة؟

تلخيصاً لمحاضرة سماحته في تأبين الشاب الحسيني المرحوم محمد جمعة قنبر مدير مكتبه السابق، وذلك ليلة الأحد 29/رجب/1437 في حسينية أهل البيت (عليهم السلام) بالمحرق – البحرين.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)

(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا).

مهما كان عمرك فالدنيا متاعها قليل وستموت رغمًا على أنفك، لأن الله قهر عباده بالموت والفناء وأراد لنفسه فقط العزّ والبقاء.

هذا هو ربّك القويّ القادر القهّار شئتَ أم أبيت.

فمن الضروريّ جدًّا أن تعرف مع مَن تتعامل في الدنيا لتسعد به فيها وفي الآخرة.
فلابد من التعامل مع الله إذن ومع الذين أمرنا الله أن نتعامل معهم وهم النبي محمد وأهل بيته (عليه وعليهم السلام).

إنّ العاقل لا يتعامل مع الجاهل ومع الأحمق ومع الذي يريد أن خدعه ويغشّه ويحتال عليه..
وهو قبل أيّ تعامل مع أيّ أحد يتحقّق حوله ويتأكد من سلامة نواياه وكفاءته وخُبرته…

نحن لدينا رأسمال هو كل شيء في حياتنا، ذلك هو حياتنا التي لن تتكرّر، فمع مَن يجب أن نتعامل في استثمار حياتنا بحيث لا نموت إلا ونحن إلى الجنة ذاهبون؟!

إنّ التجارة مع الله ورسوله وأهل البيت من أربح التجارات.. بهذا القرار ستضمنون سعادتكم في الدنيا وفوزكم بأبديّة النعيم في الجنة.

تأمّلوا في هذا الحديث العظيم عن الإمام الصادق (عليه السلام) وهو يتحدّث مع جماعةٍ من شيعته المؤمنين:

“منكم والله يُقبَل، ولكم والله يُغفَر، إنه ليس بين أحدكم وبين أن يُغْتَبط ويَرى السرور وقرّة العين إلاّ ان تبلغ نفسه ههنا -وأومأ بيده إلى حلقه- ثم قال: إنه إذا كان ذلك واُحُتضر، حضره رسول الله (صلى الله عليه و آله) وعليٌّ وجبرئيل وملك الموت (عليه السلام) فيدنو منه عليٌّ (عليه السلام) فيقول: يا رسول الله إن هذا كان يحبِّنا أهل البيت فأحِبَّه، ويقول رسول الله (صلى الله عليه و آله) يا جبرئيل إن هذا كان يحِبّ اللهَ ورسولَه وأهلَ بيت رسولِه فأحِبَّه، ويقول جبرئيل لملك الموت: إنّ هذا كان يحِبّ اللهَ ورسولَه وأهلَ بيت رسوله فأحِبَّه وأرفِق به. فيدنو منه ملك الموت فيقول: يا عبدالله أخذتَ فكاك رقبتِك؟ أخذتَ أمان براءَتك؟ تمسّكتَ بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا؟
قال: فيوفّقه الله عَزّوجَلّ فيقول: نعم. فيقول وما ذاك؟ فيقول: ولاية علي بن أبي طالب فيقول: صدقتَ. أمّا الذي كنتَ ترجوه فقد أدركتَه، أبشِر بالسَّلَف الصالح مرافقة رسول الله (صلى الله عليه و آله) وعليّ وفاطمة (عليهما السلام) ثم يَسِلَّ نفسَه سَلاًّ رفيقاً.
ويناديه منادٍ من بطنان العرش يُسمعه ويُسمع مَن بحضرته، “أي الذين حضروا قبض روحه من النبي (صلى الله عليه و آله) وأهل بيته والملائِكة”،(يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) إلى محمد ووصيّه والأئمة من بعده،(ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيةً) بالولاية (مَرْضِيَّةً) بالثواب، (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) محمد وأهل بيته، (وَادْخُلِي جَنَّتِي) غير مشوبة -أي غير مخلوطة- بكَدَرٍ وهَرَمٍ وما شاكل ذلك. ثم يُنزَل بكفنِه من الجنة وحنوطِه من الجنة بمسكٍ أذفر، فيُكفَّن بذلك الكفن، ويُحنَّط بذلك الحنوط، ثم يُكسى حُلةً صفراء من حُلَل الجنة، فإذا وُضِعَ في قبره فَتَحَ الله له باباً مِن أبواب الجنة يدخل عليه مِن رَوحِها وريحانها، ثم يُفتَح له عن أمامه مسيرة شهر وعن يمينه وعن يساره، ثم يُقال له: نُمّ نومةَ العروس في فراشها، أبشِر برَوحٍ وريحانٍ وجنةٍ ونعيم، وربٍّ غير غضبان، ثم يزوره آل محمد في جنان رضوى فيأكل معهم من طعامهم، ويشرب من شرابهم ويتحدث معهم في مجالسهم حتّى يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله فأقبلوا معه يلبّون زمراً زمرا”ً.

لكم كل الحق أن تفخروا.. فهذه البشائر لمن ربط نفسه بمحمد وآل محمد.. فلا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.

هناك شرطٌ أساسيٌّ في هذا الإرتباط هو التقوى.. تذكّروا الآية التي تلوتُها: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ).. فالشيعي بلا تقوى لا يحدّث نفسه بالجنة!!

إنّ المرحوم الشاب محمد جمعة قد عرف مع مَن يتعامل في دنياه القصيرة.. هنيئًا له حيث عرج بروحه إلى الجنة ومرافقة النبي وأهل بيته.. كان خادمًا للشعائر الحسينية.. مؤدَّبًا، أمينًا، بشوشًا، يحضر عندي في المكتب ويعمل بصدقٍ وإخلاص. ثم نشط في مجال العمل الفنّي بخصوص التشابيه و التمثيليات في مناسبات الأحزان العترويّة وخاصة الحسينية منها. هو الآن لا شك مع الحسين (عليه السلام). هنيئًا لأسرته على تربيته. هكذا يجب علينا أن نختار الطرف المُربِح لتعاملنا، فلا نصرف أوقاتنا مع الذين لا نفع لنا من ورائهم على مستوى المصير الديني.

أنقُل لكم قصة لتعلموا كم أنتم محظوظون بحبّكم للحسين سبط النبي محمد (صلى الله عليه وآله). قال الراوي: “كنّا عند الحسين (سلام الله عليه) إذ دخل عليه شاب يبكي، قال: له الحسين: ما يبكيك؟ قال: إن والدتي توفِّيت في هذه الساعة ولم تُوصِ ولها مال وكانت قد أمرتني أن لا أحدِّث في أمرها شيئًا حتى أُعلمكَ خبرَها.
فقال: الحسين (سلام الله عليه) قوموا حتى نصير إلى هذه الحُرّة. فقُمنا معه حتى انتهينا إلى باب البيت الذي تُوفّيت فيه المرأة مسجاة.
فأشرَفَ على البيت، ودعا الله ليُحييها حتى توصي بما تُحبُّ مِن وصيّتها، فأحياها الله وإذا المرأة جلست وهي تتشهّد، ثم نظرت إلى الحسين (سلام الله عليه) فقالت: أدخل البيت يا مولاي ومُرنِي بأمرك. فدخل وجلس على مخدّة ثم قال: لها وصِّي يرحمك الله. فقالت: يا ابن رسول الله لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا فقد جعلتُ ثُلثَه إليك لِتضعَه حيث شئتَ مِن أوليائك والثلثان لإبني هذا إن علمتَ أنه مِن مواليك وأوليائك وإن كان مخالفًا فخُذه إليك فلا حق في المخالفين في أموال المؤمنين. ثم سألته أن يصلّي عليها وأن يتولّى أمرَها ثم صارت المرأة ميتةً كما كانت”.

نحن نؤمن بهؤلاء الأولياء وهذا قليل عندهم بإذن الله تعالى.. لذلك نتعامل معهم بالولاء والمودّة ونعمل بما أرادوه منّا وندافع عنهم ونقف مع الإعتقاد بهم ونبلّغ لهم.
هذا معنى التعامل مع الله ورسوله والأئمة. وما داموا يسعدوننا في الدنيا بإرشاداتهم ليريحونا عند سكرات الموت ويدفعوا عنّا عذاب القبر ثم يدخلوننا الجنة.. إذن لماذا لا نتعامل معهم؟!

فإذا أردنا ذلك فليراقب كلّ واحد منّا نفسه كي يكون كما أراد الله له أن يكون ورسولُه وأهلُ البيت، خاصةً ومولانا الحجة بن الحسن المهدي يطّلع على أعمالنا في كل أثنين والخميس. فلا نؤلم قلبه بأمور تخالف التقوى.
والله الهادي وهو المستعان…

للاعلى