كلمة الجمعة {1}

خلاصة خطبة سماحته بين صلاة الظهر والعصر من يوم الجمعة اليوم 21/رجب/1437
2016/4/29

كتبها: محمد عبدالنبي.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)

البدن ثوب الروح.. وكما نخلع ثيابنا ونرميها بعد الاندراس ستخلع أرواحُنا أبدانَنا وترميها في القبور وتحلّق أرواحنا بعدها إلى عالم البرزخ في الإنتظار ليوم الحشر والبقاء بأبدان ثابتة الجمال والصحة والعمر والنشاط في مختلف لذّات الجنة حيث السعادة الأبدية.

لتحقيق هذه الغاية نحتاج إلى تغذية الروح بعناصر القوّة الإيمانية والمعنوية كي تستقيم أبدانُنا في طريق الجنة…

فأنتم حينما تنفتحون على الحق بعقولكم تنتعش أرواحكم بالعبادة لله الذي دعاكم إلى طاعته والتي منها حضوركم إلى المساجد وتلاوة القرآن فيها والدعاء والمناجاة والتفكّر والبكاء…

إذا عرفنا هذا فقد عرفنا مفتاح السعادة والإنتقال إلى عالَمٍ أفضل.

كيف نحصّن أنفسنا من الآفات التي تقضي على معنوياتنا وتحرمنا التوفيق لطاعة الله؟

سأتلو عليكم اليوم خطبة لأميرالمؤمنين (عليه السلام) ألقاها قبل ما يقارب 1398 سنة، وكأنه الآن يحدِّثنا أو كأننا جالسون تحت منبره في ذلك الزمان!!

تخيّلوا وهو (عليه السلام) يخاطبكم:

عِبَادَ اللهِ، إِنَّكُمْ ـ وَمَا تَأْمُلُونَ مِنْ هذِهِ الدُّنْيَا ـ أَثْوِيَاءُ مُؤَجَّلُونَ، وَمَدِينُونَ مُقْتَضَوْنَ: أَجَلٌ مَنْقُوصٌ، وَعَمَلٌ مَحْفُوظٌ، فَرُبَّ دَائِب مُضَيَّعٌ، وَرُبَّ كَادِح خَاسِرٌ.

أثوياء يعني ضيوف.. نحن ضيوف في هذه الدنيا إلى أجل محدود ونغادرها.. فلا نكون ممن يدأب ويكدح ولكنه في ضياع وخسارة.

قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَن لاَ يَزْدَادُ الْخَيْرُ فِيهِ إِلاَّ إِدْبَاراً، وَالشَّرُّ إِلاَّ إِقْبَالاً، وَالشَّيْطَانُ فِي هَلاَكِ النَّاسِ إِلاَّ طَمَعاً، فَهذا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ، وَعَمَّتْ مَكِيدَتُهُ، وَأَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ.

هذا والله هو زماننا.. أليس كذلك؟!

اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ، فَهَلْ تُبْصِرُ إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً، أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً، أَوْ بَخِيلاً اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللهِ وَفْراً، أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْموَاعِظِ وَقْراً!

هل عرفتم كم هو دقيقٌ إمامكم.. ولماذا لا وهو مثل القرآن طريٌّ في آياته.. وقد نزلت قبل 1437 سنة ولكنك لما تقرأها الآن وكأنها نزل الوحي بها في زماننا. هكذا هي كلمات الإمام علي (عليه السلام).

تابعوا معي الإصغاء لخطبته وهو يهتف فينا مناديًا:

أَيْنَ خِيارُكُمْ وَصُلَحَاؤُكُمْ؟!
وَأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَسُمَحَاؤُكُمْ؟!

نعم.. أين خياركم وأين صلحاؤكم؟؟؟؟

وَأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ في مَكَاسِبِهِمْ، والْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهمْ؟!
أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ، وَالْعَاجِلَةِ المُنَغِّصَةِ، وَهَلْ خُلِّفْتُمْ إِلاَّ فِي حُثَالَة لاَ تَلْتَقِي بِذَمِّهِمْ الشَّفَتَانِ، اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ، وَذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ؟! فَـ (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، (ظَهَرَ الْفَسَادُ) فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ، وَلاَ زَاجرٌ مُزْدَجِرٌ.

أَفَبِهذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ، وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ؟
هَيْهَاتَ! لاَ يُخْدَعُ اللهُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَلاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ.

لَعَنَ اللهُ الآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ، وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ!

بعضنا يغلق شَفَتَيه عن الكلام ضد الحثالات، وهذا ما يرفضه إمام الرافضة!!

إنه (سلام الله عليه) يدعو لعدم السكوت عن ذمّ الذين يتسافلون باسم الدّين، وذلك (اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ، وَذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ؟!) لابدّ من التحذير منهم وتعرية خبثهم كيلا يتأثر بهم الناس العاديّون وهم يلبسون ثوب الدّين. ولأننا لما نسكت عنهم سيرون أنفسهم على حق وبالتالي يزيد عددهم إلى أن يتحوّلوا إلى قوّة لا يمكن استئصالها وهنالك يضيع الدّين وقيمه وأهدافه بضياع الناس عنه، وهنالك يظهر الفساد بكل أنواعه، لماذا هذا الواقع؟ لأنه لم يظهر شجاع ينكر المنكر ويدعو للتغيير (فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ، وَلاَ زَاجرٌ مُزْدَجِرٌ).

إقرأوا تاريخ ظهور الإنحرافات، كان من أهمّ أسبابه التفرّج على المنحرفين وهم في الوسط الديني يكونوا من: (الآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ، وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ!) وقد لعنهم الإمام (عليه السلام).

لا تقولوا لماذا هذا التصعيد من الإمام؟!

إنه الغيرة على دين الله.. وإنه الصرخة لإنقاذ عباد الله. هذه من ثمرة البصيرة الثاقبة والنظرة البعيدة لعواقب السكوت عن الحق وخاصة حينما يلبس الحثالات ثوب الحق فتختلط الأمور بنفاقهم وجهلهم وحماقتهم، فهنا يكون الخطر كبيرًا والسكوت جريمة.

نعم.. يجب على كل شيعي أن يعيش (حسّاسًا) في وجه الإنحراف ولكن مع الفهم والعلم والحكمة والتخطيط والنصيحة وعدم التهاون.. وكما ورد عنه (عليه السلام): “لا تكُن ليّنًا فتُعصَر ولا تكن يابسًا فتُكسَر”. وبكلمة أخرى قال: “حزمٌ في لين”..

هكذا يعلّمنا إمام المتقين عليّ بن أبي طالب منهج الإصلاح ومواجهة الإنحراف لنحافظ على سلامة ديننا على الصعيد الفردي والجمعي ولتكون أرواحنا سعيدة بعد الموت صاعدةً إلى الجنة.
سائلين من الله ذلك لي ولكم بجاه النبي الأمين وأهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين).

للاعلى