ميلاد النبيّ والإمام
دعوةٌ لميلاد الأمّة من جديد

بيان سماحته حول مولد النبي محمد وحفيده الإمام الصادق (عليهما الصلاة والسلام) في (17) من ربيع الأول (1437).

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)

الحمدلله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على سيّدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين.

وبعد:

في زمنٍ لم يبق من النبيّ محمد بين أمّته إلا إسمه.. ومن أهل بيته بين شيعتهم إلا أسمائهم.. كيف نقرأ واقعنا الهزيل ونعيد إليه الرسالة وأهدافها؟

لقد وقعتِ الجريمة التي حذّر اللهُ منها جميعَ الذين آمنوا واستمر فيها أكثرُهم ولازالوا مستمرين وكأنّه عزّوجل لم يقُل في محكم آياته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).

مؤامرات كثيرة جرت على النبي محمد وأهل بيته.. وواحدةٌ منها مؤامرة تفريغ الإسلام الذي قدّموه للمسلمين ليتقدّموا بتطبيق قيمه في حياتهم ولا يتخلّفوا…

ما هي حقيقة هذه المؤامرة؟
مؤامرةٌ تهدف إلى إحياء المظاهر دون محتواها (قولٌ جميل وفعلٌ باتجاه العكس).. أن يتلو المسلم قرآنه ولا يعمل به، أن يصلّي ويعمل الرذيلة، أن يحجّ ولا يفهم، أن يزور مراقد النبي والأئمة ولا يعرف ما يطلبونه منه، أن يدرس في الحوزة مثلاً ولا يدري كيف يهذّب نفسه وغيره، أن يعزّي ويلطم ولا يلتزم بأخلاق وأهداف النبي والزهراء والإمام، أن يمارس المعارضة السياسية ولا يعلم حدوده الشرعية، أن يقوم بدور المسؤول الرسمي ولكنه بلا تقوى، أن يتظاهر بالورع وهو في السرّ يعصي الله، أن يتكلّم عن الأمانة ويسطو على المال عبر الباب الخلفي، و…

هذه القضية (قضية تفريغ الدّين عن رسالته) كانت في القديم.. ولكنّ الجديد فيها أنها قد تمّ اعتمادُها من قِبَل الدوائر الإستعمارية التي خطّطت أيضاً لتفسيد الشباب والشابات بجرّهم إلى موضات التفسّخ ورميهم كالبهائم في الملاهي وحانات الخمور ومجالس الأفيون والمخدَّرات.. وهي الدوائر نفسها التي تخطّط لتجهيل هذه الأمّة وتدمير بلدانها ونهب ثرواتها.. وبالتالي سحق الأمّة تحت ضرباتها المتنوّعة سياسياً وعسكرياً وإعلامياً.. فبينما الإسلام هو دين السلام.. فقد أظهره الذبّاحون دين الدمار.. وبينما رسوله نبيّ الرحمة العالمية.. فقد حوّلوا صورته إلى نبيّ يستحق أن يُساء إليه في الغرب.. هذا في الجانب السنّي، وأما في الجانب الشيعي فبينما أئمة أهل البيت قمم شاهقات في العقلانية والحكمة والأخلاق العظيمة والبطولات الإنسانية صار يدّعي حبّهم جمعٌ من الجهلاء ينتفعون تحت إسمهم شهوات الدنيا التي لم يحصلوا عليها لولا اختباؤهم وراء هذا القناع!!

مَن يا تُرى هو المسؤول عن هذه الظاهرة الإنحرافية.. ظاهرة التطرّف الديني والإستسهال حسب الأهواء والأمزجة.. حتى ظهر شبابٌ باسم الحسين يعزفون على آلات الموسيقى في الكنيسة بمناسبة عيد الكرسمس وتصفّق لهم نساء ورجال من أتباع المسيح الذي هو بدوره تمّ تحريفه أيضاً.. وشباب آخرون لا يفهمون من الإمام الحسين إلا العزاء واللطميات المتكرّرة في طول السنة، أما بقيّة الحسين فيما يرتبط بالوعي والأخلاق والعبادة وإدارة الأسرة وتربية الأطفال فلا شيء يحملون منه؟!

إننا نرمي اللّوم على أكثر العلماء والخطباء والمثقفين وأصحاب الأقلام والإعلام الذين لم يقدّموا الصورة الكاملة للإسلام وللتشيّع ولم يذكّروا الجمهور بقيم الهدفية والتربية والتنمية.. بل اشتغلوا بالخلافات والأنانيات أو الخطاب المنبري غير الوعظي وغير الموجَّه لبناء الفكر والنفس وحُسن التصرّف.. فتركوا جيلاً ينشأ حسب هواه ويجتهد حسب مزاجه.. البعض منه مُتخلِّفٌ بالتزمّت والتطرّف القشري.. والبعض الآخر منه متحرّرٌ من قيود الشرع بالأخذ من الغربييّن دون تنقية…

من هنا فلو كانت التوجيهات الإسلامية عبر المنابر والمنصّات والأقلام والفضائيات تخاطب العقول وتنضجها وتنمّي السلوك وتديره لكانت الحالة الإسلامية بمظهرها ومحتواها سُلَّماً لنجاة هذه الأمّة الهائمة ومجتمعاتنا الضائعة.

وحينما نلقي اللّوم على العلماء والخطباء والمثقفين والإعلاميين لأنهم مصادر المعرفة والتأثير في صياغة الإهتمامات لدى الناس والشباب خاصة. أفهل فكّر هؤلاء لماذا بدأ الوحي بالدعوة إلى القراءة؟! ولماذا النبيّ قال: وبالتعليم أُرسلتُ؟!

بل وهذا هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوجّه صاحبه (معاذ بن جبل) إلى اليمن ويحدِّد له نوع المسائل التي يجب عليه تبليغها للناس، لأن الهدف هو بناء العقل الإنساني المتحرّك في حياة الإنسان بكلّ أبعاده، وكان محمّدٌ (صلى الله عليه وآله) هو العقل الكامل والأكمل الذي قال: “يا معاذ.. علِّمهم كتابَ الله، وأحسِن أدبَهم على الأخلاق الصالحة، وأنزِلِ النّاسَ منازلهم – خيرهم وشرّهم – وأنفِذ فيهم أمر الله، ولا تحاشِ في أمره ولا ماله أحداً، فإنّها ليست بولايتك ولا مالك، وأدِّ إليهم الأمانةَ في كل قليلٍ وكثير، وعليك بالرِّفق والعفو في غير تركٍ للحق، لقول الجاهل: قد تركتَ مِن حقّ الله، واعتذر إلى أهل عملك مِن كلّ أمرٍ خشيتَ أن يقع إليك منه عيبٌ حتى يعذروك، وأمِت أمر الجاهلية إلا ما سنَّه الإسلام. وأظهِر أمرَ الإسلام كلّه، صغيره وكبيره، وليكُن أكثر همّك الصلاة، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين، وذكِّر الناس بالله واليوم الآخر، واتّبِع الموعظة، فإنه أقوى لهم على العمل بما يحبّ الله، ثم بثّ فيهم المُعلِّمين، واعبُد الله الذي إليه ترجع، ولا تخف في الله لومة لائم. وأوصيك بتقوى الله وصدق الحديث، وحُبّ الآخرة، والجزع من الحساب، ولزوم الإيمان، والفقه والقرآن، وكظم الغيظ، وخفض الجناح. وإيّاك أن تشتم مسلماً، أو تطيع آثماً، أو تعصي إماماً عادلاً، أو تكذِّب صادقاً، أو تصدق كاذباً، واذكُر ربَّك عند كل شجرٍ وحجر، وأحدِث لكلّ ذنبٍ توبةً، السّر بالسر، والعلانية بالعلانية”.

ونجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤكّد على هذا المبلِّغ (معاذ بن جبل) مسألةً في غاية الأهمّية.. حيث يختم وصاياه بقوله: “ثم اعلَم يا معاذ، أنّ أحبَّكُم إليّ مَن يلقاني على مثلِ الحال التي فارَقَني عليها”.

ويعني الإستقامة على نهجه هذا.. في الفكر والعقيدة والسلوك والأخلاق والسياسة والعبادة والإدارة.. قضية قد يتعرّض لخطر التحريف والإنحراف بعده!!
وهذا ما حدث بالفعل.. إذ اقتطعت البِدعُ إسلام محمد.. فصار ألفُ إسلامٍ باسم محمد.. ومحمد ليس له إلا سبيل واحد في إسلامه.. وهو السبيل الذي أعلنه في القرآن الكريم: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

وأخيراً:

ندعو العلماء والخطباء والموجِّهين إلى الإرتقاء بخطابهم الديني ويجتنبوا تكرار المكرّرات الخالية عن النصيحة والموعظة.. لابدّ من التبليغ الواعي والنقد البنّاء للسلوكيات الخاطئة.
كما ندعو الناس ولاسيما فئة الشباب إلى الإصغاء للعلماء والخطباء والموجِّهين إذا نصحوهم و…

فما أحوجنا اليوم جميعاً إلى ولادة جديدة تصيغها تلك الوصايا المحمّدية وما جاء عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في رسالة طويلة لشيعته حول الصفات التي يريدها فيهم.. ومنها قوله:
“وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا ذَكَرَهُ بِخَيْرٍ، فَأَعْطُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمُ الِاجْتِهَادَ فِي طَاعَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُدْرَكُ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَبَاطِنِهِ… وَاتَّبِعُوا آثَار رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَسُنَّتَهُ فَخُذُوا بِهَا وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ وَآرَاءَكُمْ فَتَضِلُّوا، فَإِنَّ أَضَلَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَرَأْيَهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ وَأَحْسِنُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها… وَإِيَّاكُمْ وَسَبَّ أَعْدَاءِ اللَّهِ حَيْثُ يَسْمَعُونَكُمْ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ…”.

دمتم مع النبيّ وآله مسدَّدين.

داعيكم:
عبدالعظيم المهتدي البحراني
17/ربيع الأول/1437

للاعلى