* الرسول
* الخلافة
* الزهراء

تلخيصاً لثلاث محاور تناولها خطاب سماحته في ليلة استشهاد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) بحسينية أهل البيت (عليهم السلام) في 28 من شهر صفر سنة 1437

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)

أتناول في هذه الذكرى التي أوجعت قلوب المسلمين وأحرار البشر.. ذكرى استشهاد سيّد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله) ثلاث محاور في قمّة الأهميّة.. وقد كان استشهاده بدايةً لاستشهاد إبنته السيدة فاطمة الزهراء ثم ابن عمّه وربيبه وصهره ووصيّه وخليفته الإمام علي ثم سبطيه الحسن والحسين وذرّيته ومحبّيهم إلى زماننا.. هكذا كان المسلسل التطبيقي للحديث النبوي الشريف: (ما منّا إلا مقتول أو مسموم).
فاغتيال رسول الله كان في أول القائمة والحبل على الجرّار.. والحديث ذو شجون لا يسعه المقام، ولكننا نشير إلى ما نراه المهمّ عبر محاورنا الثلاث التالية:

* المحور الأول:
(شخصية الرسول المؤسِّس)

لابد في تأسيس المشاريع الكبرى وخاصة ذات الأهداف العالمية المستدامة أن يكون قائدها ذو مؤهلات خاصة تتناسب مع نوع المشروع.
إنّ قضيةً بحجم الإرساء لقواعد آخر الأديان السماوية.. وإنّ مسؤوليةً بثقل الهداية وإصلاح المجتمعات البشرية.. كان يحتاج لها رجلٌ قيادي بمواصفات النبي المصطفى حتماً.. فالننظر في أهمّ هذه المواصفات كما ورد في حديث (الصلوات) الذي علّمه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أحد أصحابه.. وهو قوله:

+ اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما حَمَلَ وَحْيَكَ وَبَلَّغَ رِسالاتِكَ (في الأمانة والإعلام).
+ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما اَحَلَّ حَلالَكَ وَحَرَّمَ حَرامَكَ وَعَلَّمَ كِتابَكَ (تطبيق الأحكام وتعليمها).
+ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما اَقام َالصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَدَعا اِلى دينِكَ (في العبادة والتكافل والدعوة).
+ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما صَدَّقَ بِوَعْدِكَ وَاَشْفَقَ مِنْ وَعيدِكَ (في موضوع الجنة والنار).
+ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما غَفَرْتَ بِهِ الذُّنُوبَ وَسَتَرْتَ بِهِ الْعُيُوبَ وَفَرَّجْتَ بِهِ الْكُرُوبَ (في البُعد الإجتماعي والأخلاقي).
+ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما دَفَعْتَ بِهِ الشَّقاءَ وَكَشَفْتَ بِهِ الْغَمّاءَ وَاَجَبْتَ بِهِ الدُّعاءَ وَنَجَّيْتَ بِهِ مِنَ الْبَلاءِ (في الجانب الروحي والمعنوي).
+ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما رَحِمْتَ بِهِ الْعِبادَ وَاَحْيَيْتَ بِهِ الْبِلادَ وَقَصَمْتَ بِهِ الْجَبابِرَةَ وَاَهْلَكْتَ بِهِ الْفَراعِنَةَ (النظام الإداري والسياسي).
+ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما اَضْعَفْتَ بِهِ الاَمْوالَ وَاَحْرَزْتَ بِهِ مِنَ الاَهْوالِ وَكَسَرْتَ بِهِ الاَصْنامَ وَرَحِمْتَ بِهِ الاَنامَ (في المال والإستثمار والإنقاذ العقائدي).
+ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما بَعَثْتَهُ بِخَيْرِ الاَدْيانِ وَاَعْزَزْتَ بِهِ الاْيمانَ وَتَبَّرْتَ بِهِ الاَوْثانَ وَعَظَّمْتَ بِهِ الْبَيْتَ الْحَرامَ (في العزّة الإيمانية وبناء هويّة الأمة).
+ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَاَهْلِ بَيْتِهِ الطّاهِرينَ الاَخْيارِ وَسَلِّمْ تَسْليماً. (في الإمامة).

جميع هذه الأبعاد ما كان الرسول (صلى الله عليه وآله) ينجزها لو لم يكن بمستوى هذه الآية المباركة: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ).. ذلك كي يعرف المسلمون بأن الأخلاق التي بُعِثَ نبيُّهم ليتمّ مكارمها هي الأساس في كل نجاح عقائدي وثقافي واجتماعي وأُسَري وتجاري وسياسي وإداري وحضاري…

فالمطلوب منّا أن نتعلّم ثقافة التأسّي بأعظم رسولٍ في تاريخ البشر حيث قال ربّنا عزوجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وإلا فالنبيّ الأعظم كان واضحاً في علوّ مقامه ولا غبار على سموّ منزلته.. وقد شهد بذلك حتى أعداؤه في الجاهلية.. إنما الأمر بالتأسي من الله لحاجة بعضنا إلى تغيير ما بأنفسهم من مساوئ الجهل والتخلّف والشقاء وحاجة بعضنا الآخر إلى زيادة الإرتقاء في محاسن العلم والتقدّم والسعادة.

من هذه الزاوية نقرأ الأحاديث التي قالها (صلى الله عليه وآله) حول أهمّية الأخلاق الحسنة. مثل قوله: «إنّ المؤمن لَيدرك بحُسن خُلُقه درجة قائم الليل وصائم النهار». وقوله: «ما من شيء أثقل في الميزان من خُلُقٍ حسن».وقوله: «أحبّكم إلى الله أحسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون. وأبغضكم إلى الله المشّاءون بالنميمة، المُفرِّقون بين الإخوان، المُلتمِسون للبراء العثرات». وقوله: «عليكم بحُسن الخُلُق، فإنّ حُسن الخُلُق في الجنّة لا محالة، وإيّاكم وسوء الخُلُق، فإنّ سوء الخُلُق في النار لا محالة».
بهذه القراءة تعرفون كم أنّ المنهج البذائي والشتائمي والتكفيري والتمسخري بعيد عن منهج الرسول والأئمة من عترته (صلى الله عليه وآله).. فهل يصحّ التبليغ لهم بغير أخلاقهم التي هَدَت أعدائهم؟!

* المحور الثاني:
(الخلافة ضرورة ولكن مَن الخليفة)

إنّ مشروعاً كمشروع الرسول محمد للبشرية حيث يُراد له البقاء والنموّ إلى يوم القيامة فإنّ من الجهل أو الحقد أن يدّعي إنسانٌ بأن الرسول قد غادر الحياة الدنيا تاركاً أصحابه وأمّته وأتعابه وتضحياته بلا خليفة يشبهه في علمه وعمله.
هذا الإدّعاء الباطل يرفضه كل عاقل، ويقول لو كان (صلى الله عليه وآله) كذلك لكانت شخصيته القيادية مثقوبةً والعياذ بالله.. غريبٌ أمر الذين ينفون عن رسول الله تعيينه خليفة له ثم يعيّنون لأنفسهم خلفاءاً وأولياءَ عهدٍ يرثون الحكم من بعدهم، ولكنّ الأغرب منهم علماء السوء الذين يعطون عملهم صفة الدّين ويصرّون بعدم وصية النبي لأحدٍ من بعده!!
أما نحن المتمسّكون بحديث الثقلين (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) لا نرى الوصية القولية لعليّ بن أبي طالب فحسب، بل قد جعلها الرسول في فعله أيضاً إذ قرّبه إليه بالملاصقة والمصاهرة والمعاونة والمشاورة والمؤازرة والمجاهدة وإلى ساعة خروج روحه وهو متكأ على صدر الإمام الذي قام بتجهيزه والقوم في السقيفة يتوزعون المناصب والقائد الحقيقي هو الذي صنعه الرسول صناعةً عملية وأعدّه من كل ناحية. فما عدا أقواله في مكانة الإمام علي وفضائله قد ربّاه للقيادة تربيةً تطبيقية خاصة.

* المحور الثالث:
(دور السيدة فاطمة.. ذكاءٌ ممنهج)

ما كان يمكن فضح المؤامرة التي استهدفت حياة رسول الله وخططت لاغتيال شريعته وتحريف مقاصدها العظيمة إلا بتضحية إبنة الرسول نفسها:
+ فلولا الإهتمام الخاص الذي مَنَحَه إياها أبوها في حياته ليعرف الجميع مكانتها المحورية.
+ ولولا الهجوم على دارها وضربها وإسقاط جنينها.
+ ولولا خطبتها ضدّ الإنقلابيين بمسجد أبيها.
+ ولولا بكاؤها المرير والمتواصل إلى ساعة رحيلها من هذه الحياة والتحاقها بأبيها في أقلّ من تسعين يوماً.
+ ولولا وصيّتها الذكية بإخفاء قبرها وعدم حضور مَن ظلموها في تشييعها.

لولا هذه المواقف الإستثنائية لما كان يمكن فضح الذين خاطبتهم هذه الآية: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ).

فإزالة القناع عن وجه الإنقلابيين بالفعل كانت عملية صعبة جدّاً ومُكلِفة جدّاً.. ولم يكن لها سوى فاطمة التي تركت بتضحيتها وذكائها علامات إستفهام تاريخية ليكتشف من خلالها العقلاء عبر الأجيال حقيقة دين الرسول الأعظم المتمثّلة في خلافة بعلها وبنيها.

ويا ليت البعض الذي ينفي مصائب الزهراء وينكر حادثة الهجوم على دارها ويتساءل عن غيرة الإمام علي حينها أن يجيبنا عن غيرة الإمام الحسين الذي أتى بأخته السيدة زينب ونسائه وأطفاله إلى كربلاء وهو يعلم باستشهاده وسبيهنّ من بعده؟!
أهل البيت.. رجالهم ونساؤهم وأطفالهم لا يفكّرون في أنفسهم إذا حانت ساعة التضحية بالنفس فضلاً عن الراحة والمال.
ولكنّ الأزمة عند هذا البعض هي أزمة البصيرة التي يفقدها ويفخر بها الموالون الحقيقيّون الذين يواسون رسول الله في إبنته وبضعته ومهجة قلبه بدموعهم الساخنة ويهتفون:

أيّها الموتُ تَمَهّل
لا تَحُم حول الرّسول
فلقد روّعتَ قلباً
إنه قلبُ البتول

سيّدتي.. يا فاطمة الزهراء (صلى الله عليك وعلى أبيك وبعلك وبنيك) إسمحي لي بقراءة رثائيتك التي أبكيتِ بها ضمير الإنسانية عبر التاريخ وضجّت لبكائكِ ملائكة السماء:

قُل للمغيَّب تحت أطباق الثرى
إن كنتَ تسمع صرختي وندائيا
صُبّت عليَّ مصائبٌ لو أنّها
صُبّت على الأيّام صِرنَ لياليا
فلأجعَلَنّ الحزنَ بعدك مُؤنسي
ولأجعلنّ الدّمعَ فيك وشاحيا
ماذا على مَن شَمَّ تربةَ أحمد
ألّا يَشَمّ مدى الزّمان غواليا

* عظّم الله لك الأجر سيّدي يا حجّة بن الحسن (روحي فداك).

للاعلى