أفكارٌ …
على أعتاب الزيارة الأربعينية

أفكار لسماحته من أجل تحسين أداء الزيارة الأربعينية واستثمارها الصحيح.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)

السلام على جمهور الحسين الأربعينيين في كل مكان ورحمة الله وبركاته

* وأما بعد:

إنّ من أهمّ وأقوى الشعائر الحسينية بعد يوم عاشوراء هو إحياء شعيرة الأربعين الحسيني.. وهذا ما يقوم به ملايين الشيعة في العالَم الذين إما يشدّون الرحال إلى كربلاء ويقطعون مسافات أيام مشياً على الأقدام، وإما يحيونها في بلدانهم بمجالس العزاء والبكاء ومواكب اللطم والزنجيل والتطبير والتشابيه والإطعام ورفع الأعلام…

هذا هو الأصل الشعائري.. ولكن أين الأصل الآخر؟

لقد تحوّلت زيارة الأربعين في زماننا إلى تظاهرات مليونية سلمية عالمية بامتياز.. يعلن فيها جمهور الحسين ولاءها المطلق للنبي محمد وأهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسلام).. يلتقي هذا الجمهور الولائي عند قبر سيّد الشهداء وفي هذا التلاقي يتعرّف الأربعينيّون على بعضهم البعض ليتقاربوا ويتعاونوا ويتلاحموا وليقولوا لأهل العالَم ما قاله النبي محمد (ص) في سبطه المظلوم: “إنّ لدم الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً”.

لذا فالأربعين الحسيني:

* تتجلّى فيه الأخلاق الحسينية في التواضع والأخوة والإطعام والبذل والكرم والضيافة..

* وتتجلّى فيه المعرفة الحسينية في وعي الأهداف والنظم والتحاور العلمي والثقافي..

* وتتجلّى فيه الإستقامة الحسينية في إرادة التغيير السلمي العام والإصلاح السياسي والإداري لشؤون الناس والصبر على الشدائد..

بهكذا رؤية ما المانع في تحويل هذه الشعيرة الحسينية التي جمعت في داخلها مختلف الشعائر إلى موعدٍ لإنتاج المزيد من العزّة للتشيّع والمزيد من القوّة للشيعة.. وبالمآل تكونان داعمتين لعزّة الإسلام وقوّة المسلمين وهما في الطريق إلى تحرير البشرية من الظلمات وإدخالها إلى النور الذي أتى به الرسول الأعظم (ص)؟!
نعتقد أمام هذا الهدف الكبير لابد من تعريف الجمهور الأربعيني بهذه الرسالة كي يؤدي الزيارة بوعيٍ شمولي أسمى للغايات الحسينية، أليس الإمام السجاد (ع) قال: “ألا وإن أبغض الناس إلى الله مَن يقتدي بسنّة إمامٍ ولا يقتدي بأعماله”.

إن هذا الأمر يحمّلنا مسؤوليات عدّة ومنها ما عدا المذكور آنفاً:

1/ القيام بحملة التوعية للزوّار وجميع الذين يحيون الأربعين في مناطقهم بأهداف الزيارة وما يتضمّنه الإصرارُ الشيعي على إعلان التضامن مع النبي العظيم وأهل بيته.. وتوعية محبّيهم بأن هذا الولاء الواجب متلازم مع البراءة الواجبة ممن ظلمهم ملازمةً حقيقية ولكن يمكنها أن تكون بلا تسميات (فضائيّة) للذين أسّسوا أساس الظلم على آل محمد.. لأن التسميات تبني جداراً بين الطرف الآخر وبين استماعه لكلمة الحق.. باستثناء قتلة الحسين (يزيد بن معاوية وابن زياد وعمر بن سعد وشمر و…) هذا هو المرسوم الصادر عن المعصوم في زيارة عاشوراء.. حدود التسميات واضحة لا كما يفعله المتطرّفون ويجلبوا بغبائهم أزمات فوق أزمات ويقدّموا للذبّاحين مزيداً من الذرائع لجرّ السنة المعتدلين والمغفّلين إلى صفوفهم أو شحنهم حقداً على الشيعة!!
إن رسول الله (ص) إذا كان الله يأمره بتهيئة نفوس المشركين للحوار: (قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) والرسول على يقينٍ تامّ بأنه على هُدى وبأن المشركين على ضلال.. أليس علينا التأسّي بأخلاقية هذا الرسول الحضارية في التعامل مع إخواننا السنة وخاصة فيما بيننا.

2/ النفير العالمي لشيعة أهل البيت باتجاه كربلاء لزيارة الأربعين وعظمة هذه الحركة الجماهيرية التي تتجاوز أحياناً العشرين مليون زائر بلا حوادث تُذكَر.. لهي نعمةٌ من الله علينا.. تتمنّاها الدول الكبرى لتأييد سياساتها، وتحلم بها الدول الأخرى كإستفتاء على شرعيّتها، وتبحث عنها الأحزاب لتعزيز خططها، بل وحتى الشركات المالية والإعلامية العملاقة تطلبها للإستثمار الإقتصادي والإعلامي.. ولكن لا نجد في المراجع الكرام ولا الحوزات والمؤسسات والشخصيات والفضائيات الشيعية ذلك المستوى المطلوب لتوظيف هذه النعمة في أهدافٍ تقرّب الجمهور الشيعي إلى أهداف الحسين وأخلاقه بالنحو الأحسن!!
مع هذه الجماهير المسالمة في ظلّ مودّة آل محمد هل يصحّ أن تعيش الشيعة أزمات في علاقاتها المرجعية والعلمائية والنخبويّة والسياسية والإنمائية وبين يديها منشور الحسين كل كلمة منه تعالج أزمات كبيرة؟!
فما يعانيه المسلمون بشكل عام والشيعة بشكل خاص من رذائل قابلة للإستبدال بالفضائل لو عرفنا تطبيقات هذا المنشور الحسيني الذي عَنوَنه النبي الكريم (ص) في قوله: “إنّ الحسين مصباح الهُدى وسفينة النجاة”.

3/ المسؤولية ثقيلة في عملية الإنتقال من المظهر إلى الجوهر.. ولهذا وجبت جهود جماعية بعقول جماعية أيضاً لدراسة مشروع الإنتقال هذا واستثمار الموسم بكلّ ما فيه من منافع مادّية وبركات معنويّة ومناخ معرفي وأجواء مليئة بتجربة الأخوّة والبذل والتضحية والتعاون ثم الإنتشار في رحاب الإنتاجية والإيجابية.

من أجل ذلك نقترح ما يلي:

+ ألف –
قبل يوم الأربعين وحيث تتهيّء الجموع الولائية لسفر الزيارة لابد من تذكيرهم بأهمّية إستثمار هذه الشعيرة المليونية المقدّسة.. كلٌّ حسب موقعه. فالجميع مثلاً يكون في حال الوعي للمقاصد الحسينية من هذا الإجتماع العالمي.

+ باء –
توزيع بيانات وكتيّبات ونصب إعلانات وكتابة شعارات في طريق المشاة إلى كربلاء وفي أماكن تواجد الزائرين.. تشتمل على كلمات قصيرة حول القيم الإسلامية والأخلاق الحسينية والمفاهيم الرسالية. فالحملات مثلاً ينبغي لها أن تقوم بإعطاء الزائرين لمحةً عن أخلاقيات الزيارة في الأخوة والتعاون والتعايش والتسامح والنظم والنظافة والتذكير بالتقوى وما أشبه.

+ جيم –
عقد مؤتمرات عقائدية لمناقشة الشبهات المطروحة، وندوات سياسية لبحث شؤون الساحة وصراع القوى العالمية والإقليمية وآثارها على واقعنا، ولقاءات ثقافية لبلورة الحالة العامة والتحدّيات الحديثة، ومهرجانات شعرية وأدبية حول الرثاء الحسيني وما يتصل بالشأن الشعائري مثلاً، وكذلك بحث القضايا الأسرية وهموم الشباب ومعالجة الفساد والتطرّف.

+ دال –
إحترام حرّية الزائرين ما داموا في حدود الجواز الشرعي، وعند خروج الحرّيات عن هذه الحدود يجب النصح وإيقاف سلوك الإنحراف.. مثلاً لو ظهر أفراد يحبون على الأرض وينبحون مثل الكلاب وفي رقابهم سلاسل يجرّهم كلب آخر!! هنا لا يجوز التفرّج بل يجب نصحهم باللتي هي أحسن ليقوموا ويمشوا مثل الآدميين حيث كرّمهم الله واستشهد أئمتنا الأطهار لأجل كرامتهم، وإذا عاندوا وجب حملهم إلى مستشفيات الطبّ النفسي.. لأن الحرّية في الإسلام لها إطار!!

+ هاء –
الحذار.. الحذار.. من نشر الخلافات وترويج الفكر البذائي واتهام الأشخاص والشخصيات بالباطل ومن غير بيّنة شرعية، فإن الدعوة إلى الضدّيات والعداوات في داخل البيت الإسلامي حرام فكيف على صعيد الوجود الشيعي الذي يتربّص به الإستعمار وأذنابه.

+ واو –
كل ذلك يجدر بالنشطاء والنبهاء رصده وبحثه في هذا الموسم العظيم إلى جانب الزيارة ومتعلّقاتها العبادية. فالحضور المتنوّع الذي يأتي من كافة الدول ستكون هذه فرصته للإرتقاء في وعيه وقراره وتنشيط العلاقات العامة بين أطيافه. وهذا هو المهم جدّاً في التواصل بين مراكز القوى الشيعية في العالَم.

* وختاماً:

قال الله عزوجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
داعيكم:
عبدالعظيم المهتدي البحراني
1/شهر صفر/1437

للاعلى