●التاسع من:
شهر محرّم (1437)

◎المسائل الحسينية◎
بين جريمة التحريف
وفريضة التصحيح

☜الجزء (9 من 10):

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمُ)

إنتهينا في عدد الأمس من العنوان الثاني للمحور الثاني (فريضة التصحيح)، وهنا نتحدّث عن:

العنوان الثالث:

(دور القنوات الفضائية)

لا شكّ أن وسائل الإعلام وخاصة في زمن العولمة هي التي تصنع الرأي العام وتحرّك الجماهير نحو الأهداف التي يهندس فيها الكلمة والفكرة أشخاص ذوو ميول إما في جهة الباطل والتحريف وإما في جهة الحق والتصحيح.

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ).

من هنا ننظر إلى القنوات الفضائية التي تُصرَف على الملايين من أموال الشيعة ومن الحقوق الشرعية نظرة فوق الأهمية، رغم ذلك ترى أكثر القنوات لم تُؤد ِّدوراً متميّزاً في بيان الدّين بكامل أبوابه والمسائل الحسينية بكلّ أبعادها.
بل هناك عدد منها لا تتجاوز عدد الأصابع تروِّج لثقافة التحريف وتدفع نحو التمزيق بين الشيعة وبثّ العداوة بينهم بحجة الدفاع عن مذهب أهل البيت والشعائر الحسينية، وكأنها هي التي عرفت المذهب الحق دون غيرها أو خصّها الإمام المعصوم بِصَكٍّ منه حصريّاً!!

ذاك في الجانب الشعائري ومثله تلك القنوات التي جفّت لديها الدموع الحسينية ولم تروّج سوى للأمور السياسية واتهام الشيعة البكّائين بالتخلف وعدم مواكبة العصر!!

بهذَين النَّمطَين من القنوات تُمرَّر ضدّ التشيّع الأصيل مؤامراتُ التحريف في زمنٍ ما أحوج الأمّة إلى معرفة دين الخلاص المتمثّل في فكر الإمام الحسين والحلول التي تقدّمها نهضته الإسلامية الفريدة من نوعها.
فما أكثر الفرص التي قَتَلَها التحريفيّون (القشريّون والحداثويّون) فأخسروا الشيعة وسطيّتهم الرساليّة، وفَوَّتوا على التشيّعِ الحسيني حقَّه في التجلّي العالمي فضائيّاً وإعلاميّاً.

نستثني من هذا النقد كلَّ صوتٍ فضائيّ يؤمن بكلّ المسائل الحسينية ولكنها اختارت بعضها على نحو التخصّص وأجادت فيه إلى حدٍّ ما، فباستثناء هذا الصوت لابد من نصيحة الأصوات الأخرى التي تُحجِّم رسالة النبي وأهل بيته في أُطُرٍ ضيّقة لا ترقى إلى رسالتهم في الأخلاق والإنقاذ ولا تمنح المشاهدين ما يحتاجونه في حياتهم من بصائر القرآن وتعليمات العترة النبوية الهادية لحلّ مشكلاتهم.

ففي الجهة الشعائرية هناك غيابٌ فضائيّ عن وعي الزمان والمعادلات السياسية وضرورات التفاعل المدروس مع قضايا الأمة وبثّ الوعي، وفي الجهة الحداثوية ولشدّة اندماجها مع الحدث السياسي هناك قسوة للقلوب فلم تَعُد ترى للبكاء نفعاً ولا للولاء روحاً ولا للمناسبات الدينية آداباً.. مما صارت العقائديات والولائيات لديهم تُباع في سوق المصالح المادّية وشهواتهم السياسية بثمنٍ بخس حتى نسوا أن الذي أوصلهم إلى كراسي المناصب ولذّات العيش الآمن هو جمهور الشعائريين وتضحيات البكّائين وعوائلهم في ميادين المواجهة…

إنه وكما يتأسّف العقلاء لمّا يجدوا غنيّاً من السفهاء لا يعرف قيمة أمواله فيبذّرها في هواه كذلك يتألّم العقلاء من أولئك القائمين على القنوات الفضائية حينما يرونهم يعدّون لها خطاباً حسب أمزجتهم الشخصية فيلعبوا في مصير مشاهديهم كما يلعب السفيه في أمواله وهناك فقراء يتضوّرون جوعاً ومشاريع خيرٍ معطَّلة.. هؤلاء لقد نسوا وتناسوا ما للكلمة من آثار ممتدّة إلى يوم القيامة والتي تترتّب عليها مسؤولية ثقيلة في الدنيا والآخرة.. كونها تنتشر على مسامع الملايين من الموافقين والمخالفين والمحايدين وتُتخَذ سُنّة حسنة إن كانت طيّبة وسُنّة سيّئة إن كانت خبيثة…

لذلك يحذّرنا الله عبر خطابه لرسوله من باب “إياك أعني واسمعي يا جارة”: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ).

وعليه نوجّه عناية المسؤولين في القنوات الفضائية إلى هذه النعمة من نعم الله علينا وإلى وجوب شكرها من خلال توظيفها في المسار الصحيح.. مسار التبليغ لما يُرضي الله تعالى لا ما يشبع غريزة التعصّب وميول الهوى.

وهكذا.. ففي مسيرة التصحيح والحرب على التحريف يجب ترشيد الإعلام الفضائي وإدارة القنوات بأعلى مستويات الكلمة الطيبة لإرساء مبادئ الوسطية من أجل الفكر المُنتِج والموقف المُثمِر. وإلا تحوّلت هذه النعمة إلى وبال كما هو حال تلك القنوات الفتنوية المعروفة!!

كما نؤكد على المستمعين والمشاهدين الإعراض عن مثل هذه القنوات السامّة.. بأن يتذكّروا قول رسول الله (ص): “رَحِمَ اللهُ عبداً قال خيراً فَغَنِم ، أو صَمَتَ فَسَلِم ، وليس لكَ أن تَسمَع ما شئتَ لأن اللهَ عزّوجل يقول (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)”.

ومن الجدير أن ننقل هنا كلاماً لأستاذنا المرجع الموسوعي الكبير السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) الذي كان مثالاً للوسطية وسبّاقاً إلى مقارعة التحريف ورائداً في التصحيح ولاسيما في الشعائر الحسينية.. فمن الوفاء له -وهو أول المراجع الذي دعا الشيعة إلى تأسيس القنوات الفضائية- أن نتذكّره في كلامه الرائع هذا:
“كلّما يُذكَر الإمام الحسين (عليه السلام)، يُذكَر إلى جانبه: الإسلام، القرآن، الحرية، الإستشارية، المؤسسات الدستورية، التعددية الإيجابية، التنافس، الأخوّة الإسلامية، الحقوق الإنسانية الفردية والاجتماعية، العدالة العامة والضمان الاجتماعي، التقدم والازدهار، الرقي والحياة الرغيدة، السعادة والهناء. کما ويُذكَر إلى جانبه: الحرب ضد التجبّر والطغيان، وضد الدكتاتورية والاستبداد، وضد التوحش والبربرية، وضد التقهقر والرجعية، وضد الفقر والجهل، وضد الاستثمار والاستعمار، وضد الكبت والحرمان…
ثم يضيف سماحته: إن الذي يجسّد هذه القيم، وينشرها في ربوع الكرة الأرضية، هو: إقامة الشعائر الحسينية، ونشر ثقافة المنبر الحسيني، ويجب أن يكون ذلك عبر الفضائيات والانترنيت، ووسائل الإعلام القديمة والجديدة، وفي جميع بلاد العالم… وهذا يتطلب من المسلمين جميعاً، وخاصة أصحاب الهيئات والمواكب، وأهل القلم والمنبر، وذوو الخطابة والبيان، أن ينظروا إلى قضية الإمام الحسين (عليه السلام) بنظرة أوسع، وأن يتعاملوا معها برحابة صدر أكبر وأن يعلموا بأن الإمام الحسين (عليه السلام) خلف جده الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي بعثه الله تعالى إلى الناس كافة، وأرسله إلى العالم كله…
ويختم الإمام المجدّد الشيرازي قوله: “فلو استطعنا أن نوصل صوت الإمام الحسين (عليه السلام) ونداءه وأهدافه وتعاليمه إلى جميع العالم لتحقّقت الآية الكريمة مجدّداً:
(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا)”.

للاعلى