●الثالث من:
شهر محرّم (1437)

◎المسائل الحسينية◎
بين جريمة التحريف
وفريضة التصحيح

☜الجزء (3 من 10)

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمُ)

في عدد الأمس ذكرنا من المحور الأول العنوان رقم (1) (التحريف.. كما حذّر منه القرآن والسنة) وهنا نتحدّث عن:

العنوان (2):
(التحريف..
في المسائل الحسينية.. بِدءُه وتشعُّباته)

+ ألف:

صراع أهل الحق وأهل الباطل منذ بِدءِ تاريخ الإنسان جعل الأديان السماوية معرَّضاً للتحريف عن وِجهتها كما تعرّضت رسالة الشخصيات الناجحة إلى التفريغ عن محتواها، والهدف هو كيلا تلتزم الأجيال بالدين الصحيح ولا تقتدي بمن تكامَلَ نجاحُه بذلك الدين القويم، ومن ثَمَّ يتمكّن أهل الباطل من إستغلال الدين المزيّف ضد الدين الحقيقي.

وليس خافياً ما تعرّض له دين الإسلام من مؤامرات التحريف ومحاولات التفريغ لقلب الحقائق فيه وتعطيل مشاريعه الإصلاحية التي بلورها النبي وأهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسلام).

بذلك نكتشف أهمّ العوامل الأساسية وراء إقصاء أئمة أهل البيت عن قيادة الأمّة ولماذا تمّ تشويه سمعتهم بين المسلمين.. لأنّهم القادة الحقيقيون الذين فضحوا مخطّط التحريف لهدم الإسلام وكشفوا عن المحرِّفين من أهل الشرك والنفاق.

ولمّا بلغت هذه المكيدة الجاهلية ذروتها في استهداف جذور الدين الإسلامي الحق حتى كاد الإسلام ينتهي قام الإمام الحسين (ع) بجهاده الرَّدعِيّ الكبير رغم علمه بجسامة الآلام البدنية وفداحة الخسائر المادية ومرارة المصائب التي ستنزل عليه وعلى أطفاله ونسائه وأولاده وأصحابه.. وهذا بحدّ ذاته دليلٌ يقدّمه لنا الإمام السبط الشهيد على خطورة التحريف وتفريغ الدين عن مقاصده الشريفة.. ولكن الغريب أن هذه النهضة الحسينية نفسها أيضاً لم تَسلَم من آفة التحريف!! فما لبثت فترةٌ من الزمن حتى طالتها محاولاتُ التحريف من داخل البيت الشيعي ومن خارجه وبأشكال مختلفة وإلى هذا اليوم.. وإذا بنهضةٍ ذات أهداف واسعة عادلة وإشراقات ربّانية طاهرة قد امتدّت إليها يدُ التحريف عابثةً في مبادئها الواضحة التي أعلنها الإمام الحسين (ع) بما لا يقبل التحوير والتفسير المزيّف.. فبئس ما يروِّجه المحرِّفون مِن صورةٍ مشوَّهةٍ لشخصية الإمام ونهضته مختصرين إياهما:

* في لطميات بلا “رسالة”، وبكائيات بلا “وعي الحقيقة”، وتشابيه بلا “ذوق ومتانة” ومضائف متكدّسة بلا “رعاية للأولوية” وثقافة بلا “روحٍ وأهدافٍ ومسؤولية”!!

* في ثوريات وحداثويات لا تعترف بالمقامات الغيبية للإمام الحسين والجوانب الإلهيّة في نهضته، ومثل هذا التحريف ينتج معمَّماً مهووساً يرى الموسيقى تطويراً في الشعائر ويقول لا فرق بينها وبين صلاة الليل.. والخارج من المعبد والمسجد متساويان.. فكلاهما يقرّبان إلى الله -أخزاه الله-!!

ندعو وبقوّة.. كما خرج الإمام الحسين لمواجهة التحريف الأول يجب على الحسينيين الجامعين بين الوجدانيات الشعائرية والعقلانيات العِترويّة حقّاً أن يخرجوا بكل وسيلة تناسب واجبهم الشرعي والأخلاقي في مواجهة هذا التحريف أيضاً للسير بمبادئ النهضة الحسينية وأماناتها في سفينة متوازنة تشقّ أمواج الفتن كلّها بما فيها فتنة الإفراطيين اسم الشعائر والتفريطيين باسم التحديث والسياسة.. ولا سفينة إلا سفينة الحسين نفسه (مصباح الهُدى) بالوسطية الفكرية و(سفينة النجاة) بالوسطية العملية.. وتلك التي بارك لها ربُّ العالمين وأتى بها رسولُه الأمين وتحدّثت عنها فاطمةُ الزهراء وبعلها أميرالمؤمنين ومارسها الحسن الزكيّ المجتبى وسار عليها الأئمة من ولد الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين).. تلك وسطيّة قد حافظت على روح القيام الحسيني في أبعادها الغيبية والعاطفية والإجتماعية والسياسية وستتجلّى بظهور حفيده الإمام المهدي في أكمل حالاتها.

فلابدّ للشباب خاصة أن يسألوا أنفسهم:
هل كلّ تلك القضية المقدّسة التي هزّت أركان السماوات والأرض قد حدثت لكي تأخُذَ منّا الدموع ونلطم الصدور ونشجّ الرؤوس وندمي الظهور فقط، دون المساس بعاداتٍ يجب أن تتغيّر، وأفكارٍ يجب أن تتطوّر، وطموحٍ يجب أن نمشي لتحقيقها، وأهدافٍ يجب أن نتطلّع إليها؟!
وهل كان الإمام الحسين أبو الأحرار أبيُّ الضَّيم سيّد الشهداء قد قام بذلك الجهاد التضحويّ الكبير لنعيش نحن شيعةً بلا هدف ومُعزّين بلا مشروع ومُطبّرين بلا مسؤوليات.. أو نخرج في الموسم الحسيني بمظاهر متحرّرة من ضوابط الدين.. لا يوجد عليها أثر الحزن والجزع ولا بمقدار أثر وفاة أحدٍ من أقاربنا الأعزّة؟!

لابدّ من خلق حالةٍ من المواجهة المسؤولة -ذات حكمةٍ حسينية وروح متسامية- لمعالجة هذَين النمطين من التحريف الذي استهدف الشأن الحسيني المقدَّس (نمط القشريين الإفراطيين ونمط السياسيين التفريطيين) نبتدأ في المعالجة بالنظر إلى التحريف كجزء من المخطّط الذي يريده الشيطان ويسعى له أتباعُه لإبعاد الإسلام عن قيادة الحياة وإبقاء الأمة تتلاطم في أمواج المكائد وأوبئة المفاسد والإحتراب والدماء!!

للاعلى