الأول من:
شهر محرّم (1437)

◎المسائل الحسينية◎
بين جريمة التحريف
وفريضة التصحيح

 

☜الجزء (1 من 10)

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمُ)

* في البدء.. تمهيد:

قال الله تعالى:
(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ).

حينما يؤكد القرآن الكريم على جعل الوسطية منهاجاً لفكر الأمة الإسلامية وسلوكها.. ويربط ذلك بحالة الشهادة (القيادية) على الناس كشرط تأهيلي لنيل شرف الرياديّة العظيمة لهذه الأمة.. فإنما ذلك يعني أمرين أساسيين:

1- إختبار المسلم في طاعة الرسول وهو اختبار صعبٌ إلا على الذي هدى اللهُ قلبَه، فإنه لا يستصعب التسليم لله والقبول من رسوله ومن الأئمة الذين يأمرون بأمر الله.

2- التحذير غير المباشر من التطرّف ميلاً إلى اليمين أو سيراً نحو الشمال.. حيث لا تتحقّق الوسطية بالتطرّف ولا ريادية في الإفراط والتفريط.

والحديث حول التطرّف لن ينفصل عن سببه الأساس الذي هو التحريف في وعي الدين وتفريغ قِيَمِه الوسطية عن محتواها. لذا كان موضوع التحريف من أهم المواضيع في البحث الديني المعاصر والذي تعاني منه المجتمعات الإسلامية.. فكان لابد من طرح موسَّع دقيق موضوعي يقدّم حلاًّ عملياً لأزمة العمل بالإسلام الحقيقي بعيداً عن التحريف الذي نتج عنه التطرّف وبلغ بعضه حدّ الكراهية بين الأقربين من العوائل والجماعات والإزدراء بين المذاهب والعدواة بين الشعوب والحكومات حتى وصل حدّ الفتك بالغير وسفك الدماء بجنون…

وهذا كله خلاف لمقاصد الدّين الذي يتنازع عليه هؤلاء. وكأنّي بهذا الدّين يئنّ تحت أقدامهم بصوتٍ ذابل: دعوني واذهبوا إلى أحقادكم من دوني.. أتركوني ولا تحتربوا باسمي.. فإني دين المحبّة والسلام والحوار لا مركب الضغينة والحرب والدمار!!

نعم.. هناك أزمة ثقافية في وعي الإنسان المسلم لهذا الدّين المظلوم، وهذا لا يعني أن نتفرّج وإلا لكان الإمام الحسين المظلوم يتفرّج قبلنا. ولكنه قاد نهضةً صَحَويّةً لا مثيل لها في مقاومة التحريف والإنحراف ومحاولة التصحيح والإرشاد.

بهذا التمهيد وفي أجواء ذكرى عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) جئنا نُسطّر ما يجود به قلمنا المتواضع حول السبب الأصل في انعدام وسطية الفكر والموقف تجاه المسائل المتعلّقة بالقضية الحسينية بالذات، وهو -أي السبب الأصل- لا يكون سوى التحريف الفكري حين يتبعه الإنحراف العملي. لهذا كان هذا البحث لا يخلو عن أهميته الجوهرية في معالجة الخلافات حول الشعائر الحسينية.. لأنه يساهم في بلورة وعي الخلاف والإختلاف والتقليل من مساحات الصِّدام مع الآخر في المذهب الواحد الحق، وهذا ما يمنع الشيطان من سلب المؤمنين بركاتِ الذّكرى الحسينية العظيمة منهم.

مقالاتنا اليومية والتي ستغطّي -بإذن الله- أيام عشرة شهر محرّم الحسين (عليه السلام).. تهدف إلى بيان هذا الموضوع الهامّ في بُعدَيه:

* جريمة التحريف…
* فريضة التصحيح…

للاعلى