الإمام الباقر…
هذا ما نسيناه منه!!

تلخيصاً لكلمةٍ ألقاها سماحته في حسينية أهل البيت (ع) بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الباقر (ع) 7/ ذي الحجة/ 1436

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ).

حينما تثقل كفّةُ الخطاب عن الأبعاد الغيبيّة في حياة المعصومين الأربعة عشر (صلوات الله عليهم أجمعين) دون الحديث عن وصاياهم…

وحينما يفرط الخطباء في بيان الفضائل والمعاجز وينسون شرح تعاليم النبي وأهل بيته للناس في الأبعاد التربوية والسلوكية والأخلاقية…

هل تدرون ماذا ستكون النتيجة؟!

سيتولّد عندنا جيلٌ يحبّ أهل البيت ويعزّي في المواكب ولكن لا يفهم شيئاً من التربية والأخلاق التي هي الرسالة الأصلية من بعد الإعتقاد بفضائلهم!!
جيلٌ يشارك في العزاء جيّداً.. ولعلّه يدافع عن التشيّع كعقيدة وكانتماء ولكنّه فاشلٌ في ملابسه.. بذيء في لسانه.. ظالم مع أسرته.. لا مانع لديه أن يتعاون مع الظالم وأن يأكل الحرام وأن يكذب من أجل رغباته ووو

فلم يكن الظلم الذي وقع على أئمتنا الأطهار فقط من خلال الأمويين والعباسيين بل من خلال هؤلاء الشيعة الضائعين بالجهل لحقيقة التشيّع، وقد تحوّل لديهم إلى ما يشبه النصرانية عند المسيحيين الذين يرتكبون كل القبائح ثم يأتون يوم الأحد إلى كنائسهم لأخذ صكّ البراءة والدخول إلى الجنة!!

نعم.. عندنا جماعة من الشيعة هذه عقليتها بالضبط.. يمارس أهواءه بحرّية وهو يفكّر ما دام يحبّ أهل البيت ويلطم لأبي عبدالله الحسين فإنه من أهل الجنة ولو في السنة مرّة!!

تماماً كالذي يقول أنا أقلّد المرجع فلان ولا يقرأ رسالته العملية ولا يعرف شيئاً من أفكاره.. ولكنّه يحبّه ويرفع صوره ويدافع عنه.. وكل سلوكه ضدّ مرجعه وأعماله في خلاف منهجه!!

أيها المؤمنون.. أيتها المؤمنات:

سمعتم كثيراً من على هذا المنبر عن تاريخ الأئمة ومقامهم ومنزلتهم.. ولكن أنا هذه الليلة أريد أن أُسمِعَكم رسالتهم لنا وأتلو عليكم آية المسؤولية قبل أن تُتلى عليكم يوم القيامة:
(وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ).

هل سألنا أنفسنا ماذا يريد منّا النبي وأهل بيته الأئمة (عليه وعليهم الصلاة والسلام)؟!

حسناً لقد عرفنا أنهم في أعلى درجات الحق والعصمة والمظلومية.. ثم ماذا؟!

البعض يحبّ العزاء الحسيني ويحضر في المناسبات.. أقول له أحسنت وجزاك الله خيراً.. ولكن كيف أنت وصلاتك.. كيف أنت والتزامك الديني والأخلاقي.. كيف أنت مع والديك.. كيف أنت مع زوجتك (أو زوجك).. كيف أنت مع مالك ومع جارك ومع أهدافك في هذه الحياة قبل أن تموت؟!

أقول.. بارك الله في ولائك وفي غيرتك على مذهبك ونشرك لواتسابات التبريك في المواليد واللعن على قتلة آل النبي في أيام الوفيات.. كل ذلك جميل منك وجدّاً.. ولكن لماذا تتساهل في عباداتك.. ومنذ متى لم تقرأ صفحةً من قرآن ربّك.. ولماذا تنشر الخلافات والإشاعات.. ولماذا تلعب في سمعة الناس والمراجع خاصة.. ولماذا لا تخمّس مالك لنصرة أهل البيت.. ولماذا تشاهد أفلام الرذيلة.. ولماذا تتصادق مع البنات.. ولماذا تسمع الأغاني.. ولماذا تشرك غيرك في المعاصي عبر برنامج (السّناب جتّ)؟!

وأما البنات اللاهيات في المكياج والنيكأب وكحل العين والعطورات والكتافيات الضيّقة ونصف الشعر بارز أمام الربطة الحجابية الكاذبة واللاتي إذا رفعن أيديهنّ فالأكمام تنزل إلى مرافقهن وتلك المعاضد والساعة (الماركة) التي تشعّ من بُعد أمتار!!

أين هذا من التشيّع.. أليس هذا كلّه ظلم لأهل البيت (عليهم السلام) وتشويهٌ لسمعتهم؟!

ما هو السبب في هذه المظاهر الإنحرافية باسم التشيّع؟

السبب أكثر من سببٍ واحد.. وأبرزه الخطباء الذين لم يقدّموا طرحاً متوازناً لمستمعيهم.. وقد ساهمت أكثر القنوات الفضائية المعروفة بالشعائريات والولائيات في خلق هذه الحالة غير المتكافئة.. ودائماً كانت الزيادة كالنقصان.. والإفراط في جانب يقترن مع التفريط في جانب آخر.. والإشكالية نفسها تبرز في فضائيات السياسيين الشيعة!!

من هنا صار البعض مثل السيارة التي تمشي بعجلتين ممتلئتين بالهواء 30 وعجلتان هواؤهما 10 أو أقلّ.. تخيّلوا كيف تمشي السيارة وخاصة إذا كانت العجلتان في جهة اليمين أو جهة اليسار؟!

إنني هذه الليلة وفي ذكرى استشهاد الإمام الباقر (ع) لا أتحدّث لكم عن معجزة من معاجزه ولا عن أدلّة من أدلة إمامته وما أشبه من المكرّرات التي لا يخلو منكم أحدٌ إلا ويعلم كثيراً منها ولله الحمد بل أحدّثكم ببعض أقوال هذا الإمام العظيم في بناء فكرنا وإصلاح ثقافتنا وترشيد طاقاتنا نحو أهداف الإسلام الشامخة.

يقول (عليه السلام) مثلاً:

“مَا دَخَلَ قَلْبَ امْرِئٍ شَيْءٌ مِنَ الْكِبْرِ قَطُّ إِلا نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ”.

أقول: فلنتواضع.. ولا نتكبّر إذا أردنا كمال عقولنا.

ويقول (عليه السلام): “عَالِمٌ يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ”.

أقول: هل احترمنا علماءنا.. أم شتمناهم وأهنّاهم حتى في الفضائيات وفي وسائل الإعلام حتى تجرّأ الجهلة منّا وتعلّموا فنّ الإساءة وصار الأعداء يضحكون علينا؟!

ويقول (عليه السلام) لكل شابّ من شبابنا: “يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالْكَسَلَ وَالضَّجَرَ ، فَإِنَّهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، إِنَّكَ إِنْ كَسِلَتْ لَمْ تُؤَدِّ حَقًّا، وَإِنْ ضَجِرْتَ لَمْ تَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ “.

أقول: يا شباب.. أتركوا عنكم الكسل ولا تضجروا إذا أحدٌ طلب منكم خدمةً أو نَصَحَكم بنصيحة.

ويقول (عليه السلام) لتلميذه الوفيّ جابر الجُعفي: “أُوصِيكَ بِخَمْسٍ.. إِنْ ظُلِمْتَ فَلَا تَظْلِمْ. وَ إِنْ خَانُوكَ فَلَا تَخُنْ. وَ إِنْ كُذِّبْتَ فَلَا تَغْضَبْ. وَ إِنْ مُدِحْتَ فَلَا تَفْرَحْ. وَ إِنْ ذُمِمْتَ فَلَا تَجْزَع”ْ.

أقول: أين نحن من هذه التعاليم الراشدة في مدّ جسور التواصل الإيجابي مع الآخرين؟!
أنت الشيعي يجب أن تسجّل علامة التفوّق على خصمك بأخلاقك الطيّبة وإلا تساويتَ معه.. إذن فما الفرق بينكما؟!

ويقول (عليه السلام): “إنَّ المُؤمِنَ أخُو المُؤمِنِ؛ لا يَشتِمُهُ، ولا يَحرِمُهُ، ولا يُسي ءُ بِهِ الظَّن”َّ.

أقول: مع الأسف.. البعض عَكَسَ هذه الرواية، فهو بهذه الصفات ولكن مع الأبعدين.. وأما الأقربين فصواريخ الشتم والقطيعة والغيبة والتهمة موجَّهة إليهم وأحياناً برؤوس نووية!!

ويقول (عليه السلام): “تَبَسُّمُ الرَّجُلِ في وَجهِ أخيهِ حَسَنَةٌ ، وصَرفُ القَذى عَنهُ حَسَنَةٌ. وما عُبِدَ اللهُ بِشَي ءٍ أحَبَّ إلَى اللهِ مِن إدخالِ السُّرورِ عَلَى المُؤمِن”ِ.

أقول: هذه أيضاً من الأحاديث الباقريّة التي هَجَرَها بعض الشيعة!!

وأخيراً..

مع رواية جامعة لكلّ ما أريد بيانه.. وبها أختم كلمتي.. وأتمنى أن يجعلها الحاضرون ومَن تبلغه محاضرتي الليلة نُصب عينَيه في طول حياته وأنا في مقدَّمة المدعوّين إلى العمل بها.. إنها رواية في صميم الحقيقة المنسيّة التي أذكّركم بها انطلاقاً من قوله تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).

يقول مولانا الإمام الباقر (ع) لتلميذه:

“يَا جَابِرُ، أَيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَوَاللَّهِ، مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ، وَالتَّخَشُّعِ، وَالْأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّوْمِ، وَالصَّلاةِ، وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَالْغَارِمِينَ، وَالأَيْتَامِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلا مِنْ خَيْرٍ، وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ .
قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ يَا بْنَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَداً بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
فَقَالَ: يَا جَابِرُ لا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَأَتَوَلاهُ، ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالاً، فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ، فَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ(ع)، ثُمَّ لا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَلا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ، مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً. فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَة.أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ .يَا جَابِرُ، وَاللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَمَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَلَا عَلَى اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ. مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً، فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً، فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ”.

فيا شيعة عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين:
هذا هو حقيقة التشيّع فأين يقف البعض منها؟!

سؤالٌ عريضٌ جدّاً على جبين كلّ واحدٍ منّا إن كنا مراجعاً أو وزراءً أو تجاراً أو مثقفين أو أناساً عاديين.. لابد لنا من خلق توازن فكري تربوي للعودة إلى التشيّع العترويّ الأصيل.

أللهم وفّقنا لإصلاح أنفسنا.. ونبّهنا من نومة الغافلين.

السلام على الحسين، وعلى عليّ بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

للاعلى