● عيدنا…
عيد التقوى والإرتقاء

تلخيص لخطبتَي صلاة العيد بإمامة العلامة المهتدي في مسجد الرسول الأعظم (ص)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

▣ خلاصة الخطبة الأولى:

روى الإمام الباقر (عليه السلام) عن جدّه النبي (صلى الله عليه وآله) لجابر بن عبدالله الأنصاري: “إذا كان أوّل يوم من شوّال، نادى منادٍ: أيُّها المؤمنون أُغدوا إلى جوائزكم”.
ثمّ قال: “يا جابر، جوائز الله ليست كجوائز هؤلاء الملوك”.

نعم.. هذا اليوم هو يوم الجوائز.. ويستحق الصائمون أن ينالوها وهم قد خرجوا من دورة تدريبيّة مركَّزة في ترك المحرّمات والعمل بالقُرُبات.. فالذين صاموا للتقوى فهم اليوم يأخذون جوائزهم من الله.. والذين صاموا للدنيا فلم يكن نصيبهم غير الجوع والعطش.. نحن ولله الحمد شيعة عليّ لا نرضى بغير التقوى جائزةً كي نستعين به للإرتقاء في الخير والمحبة وفي التعاون لصناعة مجد هذه الأمة..

التقوى أيها المؤمنون.. أيتها المؤمنات.. هو الهدف من صيام شهر رمضان، ويقوم على أساسين:

* الأول.. هو العقيدة الإيمانية
* الثاني.. هو الإرادة في ممارسة الإيمان كعمل وموقف.

هذا ما وفّره الله لنا بهذا الشهر العظيم عبر تلاوة القرآن والأدعية والإمساك الطويل عن مفطرات الصيام.

جئنا اليوم لنستلم جوائزنا من الله بقرار العودة إلى قيمنا الأصيلة.. فنحن طيّبون وخيّرون ومسلميّون بالفطرة ومَن تعتريه آفة النسيان لهذه القيم يذكّره الله بهذه الأيام ولعلّه يفي لها بوفاء الصادقين لعهد الله.. والعاقل سيلتزم بما تُملي عليه فطرتُه وما يحثّ عليه ضميرُه للمضيّ في طريق التقوى والأخلاق والتصحيح للأخطاء.

شهر رمضان انتهى بأيامه ولياليه ولم ينته بجوائزه وبركاته التي نحتاجها للمصالحة مع أنفسنا ومع أهلنا ومع جيراننا ومع الناس في مجتمعاتنا بعد المصالحة الحقيقية مع ربّنا عزوجل. وهذا هو ما قاله الإمام علي (ع): “كلُّ يومٍ لا يُعصى اللهُ فيه فهو عيد”.
فلنجعل جميع أيامنا أعياداً نفرح فيها بطاعتنا لله وانتصارنا على الشيطان.

▣ خلاصة الخطبة الثانية:

تعاني الأمة الإسلامية من بؤر الأزمات على شتّى الأصعدة.. أزمات سياسية متفجّرة كالبراكين وأخرى إقتصادية وثقافية وأخلاقية واجتماعية.. في وسط حروب كارثية خلّفت مختلف أنواع الدمار لكل شيء وخاصةً للنفسيات وما يجري للضعفاء من النساء والأطفال والعجائز…

إن هذا العالَم المتهاوي ما أحوجه إلى رجال بمعنى الكلمة يقودونه للخلاص والراحة.. رجالٍ يؤسّسون تطلّعاتهم وفي مرحلتين:

* الأولى.. هي مرحلتنا نحن المسلمون والشيعة في الدرجة المتقدّمة لأننا أصحاب رسالة إنقاذ لا للأمّة فقط بل حسب ما علّمنا نبيّنا وأهل بيته أن نفكّر بحجم البشرية كلّها. فلا تقولوا هذا مستحيل.. المستحيل في قاموس الرجال الحقيقيين لا مكان له. تذكّروا رسول الله مع المهاجرين إلى المدينة يوم لم تكن لهم قوّة على الأرض سوى سعي الفقراء لبناء مسجد.. وإذا بالنبيّ حينما ضرب بالفأس على صخرة وانطلقت منها شرارة بشّر أصحابه باستيلائهم على إمبراطورية فارس.. وبضربة أخرى وشرارة ثانية بشّرهم بانتصارهم على امبراطورية الروم.. وأما دحظهم لجاهلية المشركين في الجزيرة العربية بفتح مكة فهذا كان محسوماً عندي النبيّ (ص) ومن المسلّمات بلا نقاش…

لعل بعض الصحابة كان في داخله يتعجّب من كلام النبي (ص) وهو ينظر حوله الفقراء المشرّدين فيقول أين نحن وأين هذه الأهداف؟!

ولكن المهم هو الثقة التي تجلب النجاح فإذا حملها الفرد الواحد والواحد والواحد وهكذا سستتبدّل إلى ثقة جماعية وهي الصانعة للتغيير.. ذلك لما يكتشفوا مقوّمات الإنجاز وعدم حبس الإنسان نفسه في السلبيات والدوران في الأطر الضيّقة.

عودوا إلى قبل أربعين سنة واقرأوا النصف الممتلئ من الكأس ولا تنظروا إلى المشاكل التي جزءٌ منها ضريبة الإنجازات والجزء الآخر من طبيعة النواقص البشرية التي لا أحد غير المعصومين الأربعة عشر يستطيع الإدعاء بالخُلُوِّ منها.

فمثلاً نجاح الجمهورية الإسلامية في اتفاقها النووي عبر صناعتها لهذه التقنية داخلياً وعبر مفاوضاتها الدبلوماسية الحكيمة حتى مع لقاء الجانب الإمريكي الذي طالما سمّته الشيطان الكبير.. يعطي أملاً في هذه الأمة بأن النجاح ممكن.. ومثله يمكن استنساخه في كل القضايا عبر نفس الأسلوب.. العلم، التفكير، التخطيط، التشاور، الحوار، المثابرة، الأمل، سعة الصدر، التسامح، التنازل شيئاً لكسب شيء آخر، تعديل الأوليات…
هذه خطوات في علم إدارة الأزمات لتحقيق النجاح الممكن الذي كان مستحيلاً بالأمس ومن ضرب الخيال قبل الأمس.

إن شيعة أهل البيت رغم بعض الخلافات بينهم ولكنهم في نظرة عامة لظهورهم على الصُّعُد السياسية والثقافية والإقتصادية والعسكرية والعلمية والفكرية ورغم أخطاء هنا وهناك قد حققوا خلال 35 عاماً تقريباً الكثير من التقدّم الحضاري والإنساني وأثبتوا جدارتهم في أشياء كثيرة رغم الصعوبات.. وكفاهم أن الرأي العام البشري لم يسجّل عليهم تفجيراً في الأسواق والمساجد والشوارع، ولا ذبحاً للنساء والأطفال والعجائز والأسرى، ولا فكراً وحشياً متخلّفاً، ولا أشكالاً تذكّر الناس بحياة الكهوف والغابات…

الشيعة ببركة الإسلام العتروي تمكّنوا من إنجازات عظيمة وفي فترة وجيزة ولو كانوا من دون سلبياتهم التي لا علاقة لها بالدين والمذهب لأنجزوا الأفضل من هذا…

من هنا فإن المطلوب ونحن في يوم العيد أن نشكر النِّعَم الإلهية علينا بأخذ لأسباب النجاح وتركنا ما يربطنا بالفشل.

* الثانية.. هي مرحلة الظهور للمنقذ العالمي الوحيد.. المرحلة الأساسية لخلاص الكرة الأرضية من كل الأورام السرطانية وجميع بؤر الخوف والتوتّر.. فلا ظلم يومئذ ولا جور.. بل العدل والقسط سيحكم البشرية التي ستذوق طعم الإسلام الحقيقي الذي جاء به النبيّ محمد (ص) سابقاً وكيف سيعود كاملاً على يد حفيده الإمام المهدي (ع).

لابد من التفكير بهذا المستوى وليس التفكير في السطحي في مشاكل تافهة وصراعات جماعة فلان ومقلِّدي فلتان.

العيد.. مناسبة لكسب هذا الإرتقاء بالفكر والطموح وتطوير أدوات العمل في سبيل الأهداف الكبيرة بحجم العقول الكبيرة والنفوس الكبيرة…

فلنتّقي الله في كل شيء.. هنالك سنعرف معنى العيد ونلتزم طريق العودة إلى الرشد القرآنيّ والرقيّ النبويّ والتحليق في فضاء السعادة والمحبّة والهناء بالولاية لأهل البيت الذين أحبّوا الإنسان وأحبّوا له إنسانيّته.

مرّةً أخرى أبارك لكم هذا العيد
وأقول كل عام وأنتم سالمون أكثر في دينكم ودنياكم.

وصدق الله الذي قال:

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

للاعلى