إلى أين ؟؟!!

لَيْلَةُ الْقَدْرِ الحقيقية..
تَمُرُّ من هنا!!

تلخيصاً لكلمةٍ قصيرة ألقاها سماحته على جمعٍ من الشباب الذين حضروا عنده في سحور ليلة (19) من شهر رمضان(1436) وضجّ الحاضرون بالبكاء:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة وبركاته

وبعد:

أما تشمّون معي الآن عطر الولاية.. تفوح رائحتُه الطيّبة في أرجاء مسجد الكوفة.. وكأنّي بالملائكة تحمل الآن إلى محراب عليٍّ وليد الكعبة رايات العزاء والحزن عليه، وفي السماء تستعدّ جبريل لتنادي بعد ساعات:

تهدّمت والله أركان الهُدى..
وانفصمت العروة الوثقى..
قُتِلَ ابنُ عمِّ المصطفى..
قُتِلَ عليٌّ المرتضى..
قَتَلَه أشقى الأشقياء..

إنه الحدث الذي هزّ الكون بكلّ ما فيه.. وكان لابد له أن يحدُث.. لأن الموت الطبيعي قليلٌ لأسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب.. وفي الحالات الطبيعية لم يستطع أشجعُ شجعان البشر مبارزته وجهاً لوجه. فكان اغتيالُه في حال الإنقطاع إلى الله سبيل المجرمين الجبناء إليه.

نحن الليلة.. ليلة القدر ماذا يجب أن نتعلّم من إمامنا هذا البطل العظيم أمير المؤمنين؟

نتعلّم حُبّ الله والتقوى وقوّة النفس وطمأنينة القلب وصلابة الموقف والرحمة الإلهية في قالبٍ بشريٍّ مُبدِعٍ ومتميّز…

في مثل هذه الليلة خاطب (ع) نفسه:

أُشدُد حيازَيمكَ لِلمَوتِ
فَإِنَّ المَوتَ لاقيكا
وَلا تَجزع مِنَ المَوت
ِإِذا حَلَّ بِواديكا

هذا عليٌّ وهو ذاهب إلى المسجد وإلى الصلاة ويعرف مصيره.. فهل نترك المسجد والصلاة ومواكب العزاء خوفاً من الموت؟!

وكيف لنا أن نخاف ونترك حضورنا في الولائيات ثم ندّعي التشيّع لإمامٍ فَلَقَ السيفُ رأسَه وهو يهتف: “فُزتُ وَربِّ الكعبة”؟!

هل سألنا أنفسنا بماذا فاز مولانا؟!
لقد فاز بالسلامة من دينه.. وهذا آخر ما يفكّر فيه أهلُ الدنيا وعشّاقُ الشهوات وطلاّبُ الراحة واللّذة.

ما أعظمك يا عليّ وما أعظم ثقتك في رضا الله منك وعروجك نحو الجنة في أعلى أعلى درجاته…

هل تعلّمنا قليلاً من هذه الروح العَلَوِيّة الشامخة فترة سنوات ونحن ندّعي التشيّع لعليّ إمام الحق والعدل والحرّية والأمانة والرحمة والإنسانية…

نعم.. إمام الإنسانية حيث تجلّت في الرأفة بقاتله بن ملجم الخارجي حينما أمر ولدَيه الحسن والحسين أن يطعما أسيرهما من طعام البيت ويسقياه من ماء البيت واللّبن الذي يشربه عليٌّ.. ثم قال موصياً: “يَا بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً.. تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِين..َ أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي.. انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ وَلَا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ”.

يا ليت المسلمون وحكّامُهم ورجالُهم القياديّون يطبّقون بعضاً من هذه الشخصية الرائدة في المُثُل العليا.

نحن في ليلة الضربة وهي أولى ليالي القدر الثلاثة.. ليلة (19) و(21) و(23) كيف نستلهم من هذا الإمام وليّ الله وأمينه في أرضه معاني التقرّب الحقيقي إلى الله تعالى كيلا نقوم بأعمال ليلة القدر كتمشية حال وأداء واجب عُرفي ومندوب شرعي كيفما كان.. والباقي على الله!!

لابد من أخذ ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر بطريقة المؤمن الذي لا يدري هل سيكون حيّاً إلى ليلة قدر العام القادم أم هذه آخر القدر له.. ثم يكون في عالَم البرزخ إلى يوم يُبعَث الموتى ليوم القيامة؟!

ليلة القدر أيها الولائيّون إذا أردتم معرفتها في العمق إعرفوا الحسين سيّد الشهداء.. فهي الليلة التي تُرفَع صحيفة أعمالنا إلى حفيده الإمام المهدي لينظر فيها ثم يدفعها للملائكة والروح التي تتنزّل عليه وهم يأخذونها إلى الله تعالى.. فلنتأمل حالنا ولنقرأ نبضات قلوبنا ولنراجع سلوكنا ولنتوب ولنستغفر ولنبكي ولنضرب على رؤوسنا خجلاً مما فعلناه من معاصٍ واقترفنا من ذنوب ومارسنا من أخطاء…

ذلك كيلا نقترب الرذيلة ولا نكرّر الخطيئة ولا نكون ممن لا يستحون في محضر الله الذي يرانا من حيث لا نراه.

نعم.. حينما نقول الحسين يعني ليلة القدر.. لا نقصد اللطميات الفارغة عن الوعي.. ولا البكائيات المجرّدة عن الهدف.. بل نقصد الحسين الذي يعني الحُبّ والقيم ويعني الموقف والغيرة ويعني البطولة والتقوى ويعني الصلاة والمسجد ويعني التعاون في الخير كلّه…
واللطميات والبكائيات (والتطبير!!) إن لم توصلنا إلى هذا الحسين فهي كالهباء المنثور!!

نحن نريد الحسين (ع) الذي عناه حفيده ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ (ع) الذي رُوِيَ أن أﺣﺪ شيعته نوى أن ينام قليلاً ثم يجلس لأعمال ليلة القدر فغلبه النوم وجلس قبل أذان الصبح بدقائق.. فأسرع وشرب بعض الماء ثم صلّى الصبح وكان يومه مغتمّاً على فوات ليلة القدر عليه. جاء عند الإمام (ع) فلاحظ عليه الحزن والغمّ!! سأله عن السبب؟ فحكى الرجل ما جرى له البارحة.
فسأله ﺍﻹﻣﺎﻡ (ع): ماذا قلتَ حينما ﺷﺮﺑﺖَ ﺍﻟﻤﺎﺀ؟
قال الرجل: ﻗﻠﺖُ.. ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ.
ﻓﺒﻜﻰ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﻭﻗﺎﻝ له: “وﺍﻟﻠﻪ أنت ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ قد ﺃﺩﺭﻛﺖَ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻛﻠّﻬﺎ”.

إن معرفة ليلة القدر وقبول الأعمال الظاهرية فيها مرتبطة بمعرفة الولاية المحمّدية المتمثّلة في عليّ فاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين.. ومن دونهم لا تُدرَك ليلة القدر حتى إذا عمل الإنسان أعمالها.

والولاية الحقيقية تتمثّل في العمل بوصيّة الإمام عليّ.. فإلى أين يذهب بعضنا والطريق إلى الله يمرّ من هنا:

“أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَأَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا وَلَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا وَقُولَا بِالْحَقِّ وَاعْمَلَا لِلْأَجْرِ وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً

أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا يَقُولُ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.
اللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَلَا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ
وَاللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ
وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ لَايَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ
وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ
وَاللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ لَاتُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا
وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَعَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَالتَّبَاذُلِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّدَابُرَ وَالتَّقَاطُعَ
لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ”.
وآخر دعوانا إلى الله أنِ:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ…).

للاعلى