شكراً لكم…
يا مَن صنعتُم ملحمة الوفاء

بيان شكرٍ لسماحته حول تشييع شهداء الصلاة في الجمعة الدامية ببلدة (القُدِيح):

بسم الله الرحيم الرحمن

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

السلام على أبدانٍ تجشّمت عناء الحضور في توديع شهداء القُدَيح.. يزفّونهم إلى مثواهم الطاهر.

السلام على أقدامٍ سعت لتشييع الصلاة المغدورة بسيف ابن ملجم الداعشيّ.

السلام على حناجر هتفت مع جثامين الشهداء الطاهرة أن لا للخوف البئيس ولا للحزن البارد في معراج عليّ..

السلام على الذين سطّروا للتاريخ وأمام مرأى البشرية في العالم كلّه كيف هي الثقافة التي صَنَعَ بها أهلُ البيت شيعتَهم صامدين..

السلام على أحبتنا في المنطقة الشرقية الذين رفعوا رؤوس الشيعة وقدّموا أروع صورة لمفاهيم التلاحم والمواساة والشجاعة.. وجسّدوا قيم الوفاء والنظم والإدارة الشعبية للمواقف الصعبة وهم مُثخَنون بألم المصاب والفراق..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد:

تعجز الكلمات عن توصيف المشهد الجماهيري المهيب الذي شاهدناه في تشييع شهداء الصلاة ببلدة القُدَيح التي دخلت التاريخ من أفضل أبوابه.. هو باب الحسين بن بنت رسول الله..

حقاً.. فما حصل هناك بالأمس كان من معاجز الفكر الإسلامي والإنتماء الحسيني.. وسيبقى مصدر إلهامٍ لغدٍ مُشرِقٍ في هذه البلاد وكل البلاد بإذن الله تعالى.

لقد حمل هذا الطوفان البشري من المُشيِّعين دلالات كثيرة وعميقة جدّاً يستعصي فهمُها على الظلاميين الذين صنعتهم ثقافة التكفير ليمارسوا التفجير في الأبرياء والعُزّل غدراً وغيلةً.. وأنّى لهم أن يفهموا وقد شملهم قول ربّنا عزوجل في القرآن الكريم: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا).

إن تشييعاً يحضره قرابة (800) ألف إنسان (من الرجال فقط دون نسائهم وأطفالهم) في بلدٍ يُشرعن تكفير الموالين لأهل بيت النبي الأكرم.. لَهو ظاهرةٌ تستحق الدراسة لأجل تجفيف منابع الجريمة بين المسلمين من جهة وتكريس الحق وتعميق ثوابت السلام بينهم من جهة أخرى إيماناً بقول الله عزوجل في كتابه العظيم: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ).

لقد تابع أصحاب الضمائر في العالم والمنطقة عبر الفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي.. هتافات المشيّعين وقصائد الرثاء.. والرايات الحسينية ونثر الورود والرياحين على جنائز الشهداء المظلومين تتناقلها أيدي المحبّين.. وقد قرأ المتابعون أيضاً تلك الكلمات التي كتبتها روحُ الإباء بقلم الوفاء تعبيراً عن فكرِ ديني متقدّم وأخلاقية رشيدة.. وتابعوا وهم ينظرون دموع الجماهير تحاكي مستقبلاً واعداً للصابرين.. وشاهدوا عناق المواساة بين الأحبّة كيف يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر.. كل هذه الملاحم هي إختيارات بارعة جاءت من عمق الثقافة الإسلامية التي تربّى عليها أتباعُ مذهب أهل البيت (عليهم السلام).

نقول لكم أيها الكرام في القُدَيح والقطيف وفي الأحساء وبلدات أخرى:
أحسنتم الأداء.. وإن مصابكم بعين الله الذي يأخذ بحقكم كلما أعطيتموه المزيد من الإستقامة على صراطه المستقيم.. وهو القائل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ).

فشكراً لكم.. يا مَن صنعتُم ملحمة الوفاء وعلّمتم أعدائكم جهوزيتكم الروحية والسلوكية.
وبقي على رجال الشرقية (من العلماء والمثقفين والوجهاء وعوائل الشهداء) رسم الطريق لاستثمار الحدث باتجاه تحصيل المسلمين الشيعة هناك حقوقهم.. وفي طليعتها حق العيش بأمنٍ وسلامة وعدلٍ وكرامة.

ولمثل هذَا أيها الشرفاء (تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ) فإن الله وعد العاملين بالنجاح وهو نعم المولى ونعم النصير.

داعيكم:
عبدالعظيم المهتدي البحراني

7/ شعبان/1436
2015/5/26

للاعلى