ثلاثُ لاءات.. ونَعَمٌ واحد!!
هو الحلّ وهو الأمل

(رسالة على مشارف السنة الميلادية الجديدة)

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم يا نظراءنا في الخَلق أيها النصارى في شرق الأرض وغربها.. هو سلام الإسلام.. سلام السِّلم كلّه الذي يشترك فيه الأنبياء كلّهم والإنسانية الكاملة كلّها.

وأما بعد:

بالأمس حكى لي أحد أقاربي وهو يسكن في مُجمَّع سكنيّ ببلدٍ مسلمٍ وجيرانه مسلمون وعائلتان مسيحيّتان.. يقول قمتُ في يوم الأربعين الحسيني (20/ شهر صفر/1436) بتوزيع طعام المأتم على هؤلاء الجيران فرأيت منهم العَجَب!!
فبينما كان المسلم يأخذه منّي ولم يُدِر بالاً أو يشكر بحرارة، رغم حرارة سلامي وأنا أقول له تفضّل يا أخي هذا من بركة الإمام الحسين (عليه السلام).. رأيتُ العائلتين المسيحيتين ما إن فتحتا الباب وصليبهما عَيانٌ في وجهي حتى سبقتاني بالسلام والتحية.. ولما أعطيتهما طعام الحسين وقلتُ لهما أنه من المأتم حتى بادرتاني بقولهما: مأجورين بذكرى استشهاد الحسين!!

يقول الأخ: فلم أتمالك من دموعي.. أجبتهما بالإمتنان ومشيتُ مجهشاً بالبكاء.. وأنا أقول في قلبي: يا ربّ كيف للموازين أن تنقلب لدى البشر هكذا؟! وكأنّ النصراني بات أقرب إليّ من ذلك المسلم المشبَّع بالبغض الطائفي؟!
والغريب أن تلكما العائلتين قالتا لي كلماتهما بأدب ورقّة وبلا تنسيق بينهما حيث هما في بيتين منفصلين من مجمَّعنا السكنيّ!!

أقول: وبينما كان هذا الأخ يحكي لي هذا الموقف.. تذكّرتُ الآية الكريمة: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ).

وتَذَكُّرٌ آخر قد تزامَنَ مع تذكُّري لهذه الآية.. وهو رسالة كتبتُها في السجن إلى نصارى العالم في سنة (2012) بمناسبة رأس سنتهم الميلادية، ولكنّها ضاعت أو شيء يشبه الضياع!!

أما الآن.. وبينما أخذتُ وأنا في ساعة متأخرة من فجر يوم (2015/1/1) أحاول استذكار نقاطٍ من تلك الرسالة.. تذكّرتُ بأن هذا اليوم أيضاً هو يوم التاسع من شهر ربيع الأول (ذكرى إنطلاقة الإمام المهدي في مشروعه العالمي للإنقاذ) وفرحتنا -نحن الشيعة- بهذا الغدير الثاني لا تقلّ عن فرحتنا عن عيد الغدير الأول (18/ ذي الحجة).. وكما قد فرحت سيدتنا فاطمة الزهراء بغدير الولاية لبعلها عليٍّ أميرالمؤمنين بِدءاً فإنها قد فرحت بغدير حفيدها المهدي نصير المستضعفين امتداداً.. خاصة وهو الحاسم لكل المظالم التي نالتها منذ الساعة الأولى من رحيل أبيها النبي محمد ونالت أسرتها وشيعتها وأهداف دينها العظيم…

والعجيب هنا تَزامُنُ فرحة الزهراء هذه مع أيام المولد النبوي الشريف.. مما جعلت أربعة مناسبات تجتمع على بوّابة السنة الميلادية الجديدة اليوم.. آملين أن تمنح محبّي العدالة ومبغضي الظلم بشارة الخلاص بإذن الله تعالى.

فماذا تحمل للبشرية هذه المناسبات المتداخلة من خير لا شرّ بعده إن شاء الله؟!

سؤالٌ جعلني أعصر ذاكرتي فلعلّها تقطر بعض النّدى من رسالتي التي بقيت في السجن ولم تخرج معي قبل سنتين!!

وها أنا أذكر من فحواها ما يلي رغم تراجُع النسبة المئوية في ذاكرتي!!

كتبتُ آنذاك:

* يسرّني أيها النصارى في كل مكان وأنا بين جدران ضيّقة من السجن.. أن أبارك لكم ذكرى ميلاد نبيّكم عيسى بن مريم (على نبيّنا وعليه السلام) وأن أبعث إليكم بهذه المناسبة السعيدة كلمات من وحي القرآن الكريم حول طهارة هذا المولد وعظمة عيسى ووالدته سيّدة نساء زمانها.. حيث قال ربّنا ربّ العالمين في سورة مريم الآية (16) إلى (21): (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا).

* إننا نعتقد في عيسى بن مريم وأمّه القدّيسة العذراء بأنهما مثالان عظيمان من أمثلة الطهر والبراءة والعفاف والنزاهة والحُبّ والشفقة والأخلاق والرحمة.. ولكن لا يمنعنا اعتقادنا هذا أن نسأل حكوماتكم ذات المصالح الإستعمارية في بلداننا: أين قد دفنتم مبادئ المسيح عيسى في الصدق والزهد والعدالة الإنسانية؟!

* أيها النصارى.. أما آنَ لكم ولحكوماتكم أن توقفوا نزيف الإنسان في معاناته الإنسانية وفاءاً لنبيّكم عيسى المسيح؟! فهذه الدول الإفريقية وتلك بلاد العرب وهنا الخليج وفي جواره دول أخرى كالعراق وسوريا.. وهناك الباكستان وأفغانستان.. تشتعل بنارٍ أوقدتها سياساتُ دولكم الكبرى.. دولٍ تعرفونها جيّداً لو أرادت إخماد هذه النيران لفعلت بأبسط وسائلها التي بيدها مثل عدم بيع الأسلحة وعدم التدخّل فقط!!

* أيها المسيحيّون.. نحن بشرٌ مثلكم.. لنا مشاعرنا الوجدانية، ومن حقنا دينياً ووطنياً أن نتطلّع لغدٍ أفضل وعيشٍ رغيد وتطوّرٍ في المفاهيم المدنيّة والأمن السياسي والعدل المالي والحياة المستقرة.. فلماذا تحول بيننا وبين تطلّعات شعوبنا قرارات من دولكم لا تمُت إلى شعاراتكم العيسوية بصلة.. لا من قريب ولا من بعيد!!

* أيتها الشعوب النصرانية سواءً في الشرق أو الغرب إعلموا أننا نتألّم من الحرب ونصارع من أجل السلام وعيوننا على اليوم الذي تعمّ فيه العدالةُ الكونية الأرضَ كلّها وتنتصر فيه ورود الحرية على أشواك الديكتاتورية.. أما نستحق أن تعاضدونا، ومن أجل عيسى تضغطوا على صنّاع الأسلحة الفتّاكة وتجّارها وعلى حكوماتكم التي تلعب دور السماسرة…
كذباً يقولون لكم أنهم يريدون جلب الرخاء الإقتصادي إليكم، وهم في الباطن قد جلبوا لنا ما لا يُرضي عيسويّتكم من قتلنا ودمارنا والتستّر على آهات أطفالنا واستغاثات نسائنا!!
أين يا تُرى قد اختفت ضمائركم يا إخوةً لنا في الآدمية قبل الديانة السماوية؟!

* وستمضي الأيام مثلما قد مضت قبلها أيامٌ وأيام.. ولكن ستبقى مواقف الخير تاريخاً لأهله، يحدّث الأجيال بالفخر والإعتزاز لكل المنتمين إلى رسالات السماء ومشتركات الإنسانية في الأرض، وعلى العكس يكون العكس!!
فاختاروا من الآن الحروف التي تكتبون بها تاريخكم وأنتم في مطلع سنتكم الجديدة؟!

* إنني ومن هنا.. من داخل سجنٍ يضجّ فيه الأبرياء نداءً بالألم وعلى بُعد أمتار هناك سجون للنساء.. أدعوكم أيها المبتهجون بميلاد النبي عيسى (على نبيّنا وعليه السلام) أن تلتزموا ب(ثلاث لاءات ونَعَمٍ واحد) كواجب من أقلّ الواجبات التي دعاكم إليها نبيُّكم عيسى الذي نحبّه نحن أيضاً وبشدّة لأنه نبيٌّ من أنبياء الله، ولأنه شريك مهديّنا المنقذ الموعود ووزيره الداعم لمشروع (الأرض.. يرثها عباد الله الصالحون).. أدعوكم لهذه اللاءات الثلاث ونَعَمٍ واحدٍ في سياق الحل لأزمات العالم وفيه أملٌ جديرٌ بنا السعي له:

1/ لااااااا.. للتفرّج على آلام الآخرين.
2/ لااااااا.. للتأثّر بوسائل الإعلام المضلِّلة.
3/ لااااااا.. للبهائمية التي تريدها لكم الصهيونية العالمية كما تريدها للمسلمين.
4/ نعم.. لكل فعلٍ وتفاعُلٍ من أجل السّلم العالمي ونبذ الكراهية بين البشر إلا كراهية الشرّ.

وختاماً.. إذا كنّا نحن المسلمون أتباع مذهب محمد وآل محمد نتحدّث عن الولاية والبراءة فإنما هذه لغتنا، هذه عقيدتنا، هذه طريقتنا..
نوالي الحق وأهله ونتبرأ من الباطل وأهله.. ونترك العاقل يفهم بنموّه العلمي ووعيه للتاريخ مصاديق الحق والباطل على الأرض. وثقتنا كبيرة في إنسانيتُه التي ستفرض عليه الموقف المطلوب من أعداء الحق في الحياة..

هكذا نحترم العقول ونحمي الأخلاق ونستقيم على الحكمة.

نرجو لكم أيها النصارى ولنا ولكل البشرية عاماً جديداً بقيمٍ جديدة تؤسّس للشراكة الإنسانية الواحدة عالمياً.. أنتم باسم عيسى ونحن باسم محمد المصطفى.. أنتم في ظل الإنتظار لنزول عيسى من السماء ونحن في ظل الإنتظار لظهور المهدي حفيد نبيّنا الكريم..

(قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ).

دمتم سالمين…
ودمنا مع الحق عاملين.
تقبّلوا خالص تحيات:
عبدالعظيم المهتدي البحراني
9/ ربيع الأول/ 1436
2015/1/1

للاعلى