عن المظلوم
الذي بكاه المظلوم
رسالة ودعوة وانطلاقة

مقال قصير في ذكرى استشهاد الإمام الحسن المجتبى {عليه السلام}

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله، والصلاة على رسول الله، وآله الهداة إلى دين الله، واللعنة على أعدائهم إلى يوم لقاء الله.

وأما بعد:

إعلم أن رجال الله لن يموتوا بموت الأبدان حتى ولو هُدَمَت قبابُ قبورهم المباركة التي شيّدها محبّوهم ليتخذوها مسجداً لله ومناراً في طريق التأسّي بأولياء الله…
لن يموتوا.. لأنهم أحياءُ الروح وأحياءُ الفكر وأحياءٌ بما أسّسوا لبقائهم المتصل ببقاء الله.. أحياءٌ بالحضور في قلوب المؤمنين وعلى ألسنتهم وهم كلّما سمعوا أسماءهم أو قرأوا عنهم وقفوا لهم بالإجلال واستلهموا منهم زاد الكفاح من أجل الهداية والنجاح.. وقد قال الله تعالى عنهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).

رجالٌ صادقون وقادةٌ متقون، وقد كان الإمام الحسن سبط النبي المُؤتَمَن واحداً من أبرزهم بعد جدّه محمد وأبيه علي (صلوات الله عليهم أجمعين).

أستشهد في يوم 7 من شهر صفر سنة 50 للهجرة النبوية.. وكان لاستشهاده الأليم من مقدّمات المظلومية المؤلمة ما جعل أخاه الإمام الحسين يبكيه كما بكاه هو أيضاً يوم تعانَقَا فقال له الحسين: “ما يبُكّيكَ يا أبا مُحَمَّد؟ قالَ: أبكي لِما يُصنَع ُبِكَ.. إنّ الذيَ يُؤتى إليَّ سُمٌّ يُدَسُّ إليّ فأقُتَلُ بِهِ, ولكنّ لا يَوم ْكَيَومِكَ يا أبا عَبّد ُالله, يزَدَلِفّ إليكَ ثَلاثونَ ألفَ رَجُلْ, يَدعّونَ أنَهمٌ ِمن ْأُمة جَدُنا مُحَمَد (ص), وَينتَحلِونَ ديّنُ الإسّلام, فيَجتمعون َعلى قتَلَكَ, وَسفّكِ دَمَُك, وآنَتِهاكِ حُرّمتِكَ, وَسبي ذّراريّك ونَسائُك,َ وانتِّهابُ ثُقلَك, فَعِندُها تَحِلّ بِبنَي أُميّة اللَعنَة, وَتمُطرُ الَسماّء ُرَمَاداً وَدَماً, وَيبَكي عَليكَ كُل ُّشَيء حَتى الوُحوُش ُفي الفَلَوات, والحِيتاّنُ في البِحار”ْ.

هي ثقافة البكاء.. بكاء العزّ والرفض والإباء.. بكاء الشعور برضا الله والوفاء للأولياء، لا بكاء الخنوع للظلم ولا قبول الذلّ مع الضعفاء.. كيف والحسن والحسين إمامان إن قاما لتحريض النفوس على الجهاد والمقاومة أو قعدا لشحن النفوس في الصبر والإنتظار ببناء الثقة.

ولكننا في البكاء على مظلومية الإمام الحسن الزكيّ المجتبى نجد المرارة من نوعٍ آخر أيضاً!!

تصوّروا شخصيةً بمستوى السبط الأول لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قال فيه جدّه الكثير من الإشادة، وشارك في جميع مراحل الجهاد والهجرة وكان إلى جانب أبيه الإمام علي (عليه السلام) في القيادة والإدارة وقاد مرحلة الإنكسار بعده بصعوبة بالغة وهو يعاني من خيانات في قادة جيشه، ومن إهانات بعض أصحابه الذين خاطبوه بقولهم: “يا مُذلّ المؤمنين”!! ثم في محاولة فاشلة لاغتياله ضُرِبَ بخنجر في فخذه الشريف.. وكانت خاتمة هذه المظلومية الوجيعة أن دسّت له زوجته الغبيّة الخائنة السُّمَّ وتَسبّبت في تقطيع كبده، ولم تنته فصول هذه المظلومية الحسنية حتى أمرت عائشة برمي جنازته بالسهام حين كانت على أكتاف المشيِّعين يحملونه إلى مثواه في جوار قبر جدّه الرسول الأعظم.. فاضطرّوا بأمرٍ من أخيه الحسين أن يحوّلوا وِجهتهم إلى مقبرة البقيع، لا ضعفاً وتراجعاً أمام الإرهاب السقيفي بل ليزداد الإنقلابيون إثماً فوق إثم فتتراكم عليهم أدلة الإنحراف عن وصية النبي محمد (صلوات الله عليه وآله).. وتلك هي سُنّة الإستدراج الإلهية للذين غرّتهم الحياة الدنيا.. ولعل اللاحقين من الأجيال يعتبرون، ولم يعتبروا!!

نعم.. هو الحسن بن علي، القائد المظلوم الذي بكى على أخيه الحسين المظلوم وبكى عليه الحسين أيضاً ليعلّما شيعتهما بكاء العواطف النبيلة حينما تنطلق الدموع الساخنة وفاءً للحق ومودّةً لأهله وبغضاً للباطل وردّاً على أهله.

فالبكاء في وعينا العتروي جزء من دعم الأهداف الإنسانية الراقية في الحياة.. وإذا عرفنا كم أن الجرائم والخيانات والبذاءات والعصبيات والعداوات والمؤامرات تعود جذورها إلى قساوة القلوب لعرفنا كم للبكاء من أهمية في حياتنا بل وعلى صحتنا النفسية وسلامتنا البدنية وسعادتنا الأسرية.. وكيف إذا كان البكاء مثل بكاء الحسن والحسين ذي رسالة إيمانيةٍ في الولاية لأئمة العدل، وإبائيةٍ في البراءة من أئمة الجور.

وللحسن بن علي -الذي ساوى التكفيريون قبره في البقيع مع تراب الأرض مثل بقية القبور هناك- خصوصية أخرى في المظلومية!! تلك هي جهل أكثر شيعته بأفكاره التربوية من ناحية، وعدم الإلتزام بأطروحاته عند أكثر الذين يعرفونها من ناحية أخرى!!

إننا ندعو هنا إلى التأمّل في بعض مختاراتنا من كلمات هذا الإمام المظلوم.. ليكتشف القارئ نفسه من أي الشيعة هو؟!
من الذين يجهلون كلام إمامهم..
أو ممن يعلمون ولا يعملون به..
أو ممن يعلمون ويعملون ويطلبون الزيادة في العلم والعمل.. وهنيئاً لهؤلاء وبُشرى.

يقول الإمام الحسن (عليه السلام):

1/ “أَيُّهَا النّاسُ إِنَّهُ مَنْ نَصَحَ لِلّهِ وَأَخَذَ قَوْلَهُ دَليلاً هُدِىَ للتي هي أَقْوَمُ وَوَفَقَّهُ اللّهُ لِلرَّشادِ وَسَددََّهُ لِلْحُسْنى فَإِنَّ جار الله آمِنٌ مَحْفُوظٌ وَعَدُوَّهُ خائِفٌ مَخْذُولٌ، فَاحْتَرِسُوا مِنَ اللّهِ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ”.

2/ “مَكارِمُ الاَْخْلاقِ عَشَرَةٌ: صِدْقُ اللِّسانِ وَصِدْقُ الْبَأْسِ وَإِعْطاءُ السّائِلِ وَحُسْنُ الخُلْقِ وَالْمُكافاتُ بِالصَّنائِعِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَالتَّذَمُّمُ عَلَى الْجارِ، وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ لِلصّاحِبِ وَقِرْىُ الضَّيْفِ وَرَأْسُهُنَّ الْحَياءُ”.

3/ “أَنا الضّامِنُ لِمَنْ لَمْ يَهْجِسْ فى قَلْبِهِ إِلاَّ الرِّضا أَنْ يَدْعُوَ اللّهَ فَيُسْتَجابُ لَهُ”.

4/ “إِنَّمَا الْخَليفَةُ مَنْ سارَ بِسيرَةِ رَسُولِ اللّه ِ{صلى الله عليه وآله وسلم}. وَعَمِلَ بِطاعَةِ اللّهِ وَلَعَمْرى إِنّا لاََعْلامُ الْهُدى وَمَنارُ التُّقى. وَاعْلَمُوا عِلْمًا يَقينًا أَنـَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا التُّقى حَتّى تَعْرِفُوا صِفَةَ الْهُدى، وَلَنْ تُمَسِّكُوا بِميثاقِ الْكِتابِ حَتّى تَعْرِفُوا الَّذى نَبَذَهُ وَلَنْ تَتْلُوَا الْكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ حَتّى تَعْرِفُوا الَّذى حَرَّفَهُ، فَإِذا عَرَفْتُمْ ذلِكَ عَرَفْتُمُ الْبِدَعَ وَالتَّكَلُّفَ وَرَأَيْتُمْ الْفِرْيَةَ عَلَى اللّهِ وَالتَّحْريفَ وَرَأَيْتُمْ كَيْفَ يَهْوى مَنْ يَهْوى”.

5/ “بَيْنَ الْحَقِّ وَالْباطِلِ أَرْبَعُ أَصابِعَ، ما رَأَيْتَ بِعَيْنَيْكَ فَهُوَ الْحَقُّ وَقَدْ تَسْمَعُ بِأُذُنَيْكَ باطِلاً كَثيرًا”.

6/ “أَلتَّقْوى بابُ كُلِّ تَوْبَة وَرَأْسُ كُلِّ حِكْمَة وَشَرَفُ كُلِّ عَمَل، بِالتَّقْوى فازَ مَنْ فازَ مِنَ الْمُتَّقينَ”.

7/ “قالَ {عليه السلام} لِبعْضِ وُلْدِهِ: يا بُنَىَّ لا تُواخِ أَحَدًا حَتّى تَعْرِفَ مَوارِدَهُ وَمَصادِرَهُ فَإِذَا اسْتَنْبطْتَ الْخُبْرَةَ وَ رَضيتَ الْعِشْرَةَ فَآخِهِ عَلى إِقالَةِ الْعَثْرَةِ وَ الْمُواساةِ فِى الْعُسْرَةِ”.

8/ “تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطيعُوا حِفْظَهُ فَاكْتُبُوهُ وَضَعُوهُ فى بُيُوتِكُمْ”.

9/ “إعْمَلْ لِدُنْياكَ كَأَنـَّكَ تَعيشُ أَبَدًا، وَاعْمَلْ لاِخِرَتِكَ كَأَنـَّكَ تَمُوتُ غَدًا، وَإِذا أَرَدْتَ عِزًّا بِلا عَشيرَة، وَهَيْبَةً بِلا سُلْطان فَاخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اللّهِ إِلى عِزِّ طاعَةِ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ”.

10/ “مَنْ عَبَدَ اللّهَ عَبَّدَ اللّهُ لَهُ كُلَّ شَىْء”

11/ “إِنَّ أَبْصَرَ الأَبـْصارِ ما نَفَذَ في الخَيْرِ مَذْهَبُهُ، وَأَسْمَعُ الاَْسـْماعِ ما وَعَى التَّذْكيرَ وَانْتَفَعَ بِهِ، أَسْلَمُ الْقُلُوبِ ما طَهُرَ مِنَ الشُّبُهاتِ”

12/ “مَنْ أَحالَ المعاصي عَلَى اللّهِ فَقَدْ فَجَرَ، إِنَّ اللّهَ لَمْ يُطَعْ مَكْرُوهًا وَلَمْ يُعْص مَغْلُوبًا وَلَمْ يُهْمِلِ الْعِبادَ سُدًى مِنَ الْمَمْلَكَةِ، بَلْ هُوَ الْمالِكُ لِما مَلَّكَهُمْ وَالقادِرُ عَلى ما عَلَيْهِ أَقْدَرَهُمْ، بَلْ أَمَرَهُمْ تَخْييرًا وَنَهاهُمْ تَحْذيرًا”.

13/ “قيلَ لَهُ {عليه السلام}. مَا الزُّهْدُ؟قالَ: أَلرَّغْبَةُ في التَّقْوى وَالزَّهادَةُ فِى الدُّنْيا. قيل: فَمَا الْحِلْمُ؟ قالَ كَظْمُ الْغَيْظِ وَمَلْكُ النَّفْسِ. قيلَ مَا السَّدادُ؟ قالَ: دَفْعُ الْمُنْكَرِ بِالْمَعْرُوفِ”.

14/ “مَنْ أَدامَ الاِْخْتِلافَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَصابَ إِحْدى ثَمان: آيَةً مُحْكَمَةً وَأَخًا مُسْتَفادًا وَعِلْمًا مُسْتَطْرَفًا وَرَحْمَةً مُنْتَظِرَةً وَكَلِمَةً تَدُلُّهُ عَلَى الهُدى أَوْ تَرُدُّهُ عَنْ رَدًى وَتَرْكَ الذُّنُوبِ حَياءً أَوْ خَشْيَةً”.

15/ “لا غِنى أَكْبَرُ مِنَ الْعَقْلِ وَلا فَقْرَ مِثْلُ الْجَهْلِ وَلا وَحْشَةَ أَشَدُّ مِنَ الْعُجْبِ، وَلا عَيْشَ أَلَذُّ مِنْ حُسْنِ الْخُلْقِ”.

16/ “مَنِ اتَّكَلَ عَلى حُسْنِ الاِْخْتِيارِ مِنَ اللّهِ لَهُ لَمْ يَتَمَنَّ أَنـَّهُ فى غَيْرِ الْحالِ التي إِخْتارَهَا اللّهُ لَهُ”.

16/ “لا أَدَبَ لِمَنْ لا عَقْلَ لَهُ، وَ لا مُرُوَّةَ لِمَنْ لاهِمَّةَ لَهُ، وَ لا حَياءَ لِمَنْ لا دينَ لَهُ”.

17/ “ما تَشاوَرَ قَوْمٌ إِلاّ هُدُوا إِلى رُشْدِهِمْ”.

18/ “هَلاكُ النّاسِ فى ثَلاث: أَلْكِبْرُ، أَلْحِرْصُ، أَلْحَسَدُ. أَلْكِبْرُ بِهِ هَلاك ُالدّينِ وَبِهِ لُعِنَ إِبْليسُ. أَلْحِرْصُ عَدُوُّ النَّفْسِ وَبِهِ أُخْرِجَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ. أَلْحَسَدُ رائِدُ السُّوءِ وَبِهِ قَتَلَ قابيلُ هابيل”َ.

19/ “أَلنّاسُ في دارِ سَهْو وَغَفْلَة يَعْمَلُونَ وَلا يَعْلَمُون فَإِذا صارُوا إِلى دارِ الاْخِرَةِ صارُوا إِلى دارِ يَقين يَعْلَمُونَ وَلا يَعْمَلُون”.

20/ “عَلِّمِ النّاسَ عِلْمَكَ وَتَعَلَّمْ عِلْمَ غَيْرِكَ”.

وفي ختام هذه السطور:

إذا كان المسلمون في الغالب (شعوباً وحكّاماً.. علماءً ومثقفين) لم ينفتحوا على توجيهات هذا الإمام المظلوم.. فلماذا أغلب شيعته يكونوا كذلك أيضاً؟!
أليس هذا ظلمٌ من نوعٍ آخر لا يليق بالشيعي تجاه إمامه؟!

فلننطلق بهذه الدعوة إلى نصرة الإمام الحسن ونحن نحيي ذكرى إستشهاده المُلهِم.
سائلين الله تعالى أن ينبّهنا من نومة الغافلين ويوفّقنا إلى تطبيق رسالة الصالحين.. بجاه النبي محمد وآله الطاهرين.

للاعلى