(تلخيص لِخُطبَتَي عيد الأضحى)

تلخيصاً لخطبتي صلاة عيد الأضحى التي أقامها سماحته في مسجد الرسول الأعظم (ص) بمحافظة المحرق في البحرين.. (1435)

بسم الله الرحمن الرحيم

* قُطوفٌ من الخطبة الأولى:

العيد في الإسلام هو الإنتصار في اختبار الإرادة، الصيام في شهر رمضان تنتهي بالعيد لأنكم انتصرتم بطاعتكم لله. والحُجّاج انتصروا اليوم بعد طاعتهم لله في مناسكهم منذ أحرموا فتحمّلوا مجموعة محرّمات كان أكثرها حلالاً.

فالعيد هو سباق الإرادة في طاعة الله وهو العودة إلى الفطرة النقيّة في الإلتزام بقيم التقوى والأخلاق الحسنة والآداب الطيبة..

فلنتذكّر بحضورنا لهذه الصلاة وجلوسنا لهذه الخطبة أننا أصحاب رسالة ومسؤولية لأننا ننتمي إلى رسولٍ كريم قد تحمّل المسؤوليات الكبرى في هداية المسلمين، وقدّم فكراً عظيماً لإنقاذ البشرية وإرساء قواعد الرحمة في الحياة. إنه محمد الذي خاطبه الله قائلاً :(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).. إنه محمد الذي وصف نفسه قائلاً :”أنا رحمة الله المهداة”.

والآن.. فلننظر إلى أنفسنا.. كم نتصرّف مع عوائلنا وجيراننا والناس بشكل عام كما كان يتصرّف الرسول (ص) حيث قال عنه القرآن الكريم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).

وهل سألنا أنفسنا لماذا تحترم البشرية هذا النبي العظيم بعد قرون من الزمن وهم لم يروه؟!
وكأني أسمعكم تجيبون على هذا السؤال باختصار شديد: لأنه (ص) لم يكن داعشياً!!!

إذن كلما أردنا الإقتراب من صفات النبي وجب أن نبتعد عن أية صفة دموية، وحشية، جاهلية، عصبية، بذائية…

هكذا فالعيد له رسالة.. تلك هي الإحساس بالمسؤولية تجاه تطوير أنفسنا علمياً وأخلاقياً وإيمانياً واجتماعياً و…

وليس هذا من الصعب وأمامنا التجربة العملية لرسول الله وأهل بيته وأصحابهم الأبرار وإلى زماننا يوجد عدد كبير ممن على خطاهم.

* قُطوفٌ من الخطبة الثانية:

إنّ المستفاد من أحكام الفقه في الإسلام أن الحالة الجماعية هي الأفضل من الحالة الفردية، وأن قيمة العمل الفردي تسمو إذا صُبَّت في قيمة العمل الجمعي.

فما أكثر الآيات التي تتحدّث لنا بصيغة الجمع، لأنها تهدف إلى التأسيس لبناء أمة ذهاباً إلى إنقاذ البشرية.. فصلاة الجماعة مثلاً أفضل من صلاة الفرادى، والحج فريضة جماهيرية، والجهاد عملٌ مشترك، والخيرات طرفٌ منها هو الآخرون، وهكذا الروايات التي تؤكد على التواصل والتزاور والتعاون مثلاً وعلى التحلّي بصفات الأخلاق الحسنة تجد طرفه الآخر هو الناس والمجتمع.

إن هذا التداخل بين توجيهات الإسلام في المجال الفردي والمجال الجماعي يبيّن لنا كم لهذا الدين من أهداف كبيرة لن تتحقّق إلا بالعمل في إطار الآخرين.. من هنا كان حراماً أن تغتابهم.. أن تتهمهم.. أن تنمّم بينهم.. أن تخونهم.. أن تسرق منهم.. أن تكذب عليهم.. أن تكون ذا وجهين في التعامل معهم.. أن تُشهِّر بهم.. أن تُسبِّب في العداوات بينهم.. وإلى آخر المحرّمات التي ترتبط بحقوق الناس.. حتى جاء في الحديث الشريف أن الله في يوم الحساب قد يغفر حقوقه عليك ولكنه لا يغفر حقوق عباده التي انتهكتَها. وهذا هو معنى الحديث القائل (الدِّينُ.. المعاملة) أو الحديث القائل (وهل الدِّينُ إلا الحُبّ).

وهنا أقرء لكم قبساً من الأحاديث التي تحثّ على وجوب ترابطنا وفق أسس المحبّة والحوار والتفاهم والتسامح.. وتتضاعف حاجتنا إلى هذه القيم ونحن في زمن الأزمات الخانقة والمكائد المُعقَّدة.. الظاهرة منها والباطنة…

أبدء برواية عن أوصاف نبيّنا الكريم (ص) التي بيّنها الامام علي (ع) لنتعلّم منها ثقافة التأسّي.. حيث قال:

“ما صافح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحداً قَطّ فَنَزَعَ يدَه مِن يدِه حتى يكون هو الذي ينزع يدَه، وما فاوَضَه أحدٌ قَطّ في حاجةٍ أو حديثٍ فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف… وما رُئِيَ مُقدِّماً رِجلَه بين يدَي جليسٍ له قَطّ، ولا خُيِّرَ بين أمرين إلا أخَذَ بأشدّهما، وما انتصر لنفسِه مِن مَظلَمةٍ حتى يُنتهَك محارمُ الله فيكون حينئذ غَضَبُه لله تبارك وتعالى… وما سُئِلَ شيئاً قَطّ فقال لا، وما رَدَّ سائلَ حاجةٍ قَطّ إلا بها أو بميسورٍ مِن القول، وكان أخفّ الناس صلاةً في تمام، وكان أقصرُ الناس خطبةً وأقلُّهم هَذراً. وكان يُعرَف بالريح الطيب إذا أقبل.
وكان إذا أكل مع القوم كان أول مَن يبدأ وآخر مَن يرفع يدَه، وكان إذا أكَلَ أكل مما يليه، فإذا كان الرُّطَب والتَّمر جالت يدُه، وإذا شَرِبَ شرب ثلاثةَ أنفاس، وكان يَمُصُّ الماءَ مَصّاً ولا يَعُبّه عَبّاً، وكان يمينُه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه… وكان شِماله لما سوى ذلك مِن بدنِه…
وكان كلامُه فصلاً يتبيّنه كلُّ مَن سَمِعَه، وإذا تَكلَّمَ رُئِيَ كالنور يخرج من بين ثناياه… وكان لا يُكلِّم أحداً بشيء يكرهُهُ… وكان يقول: إن خياركم أحسنكم أخلاقاً، وكان لا يذمّ ذوّاقاً ولا يمدحُه، ولا يتنازع أصحابَه الحديث عنده، وكان المُحدِّث عنه يقول: لم أرَ بعيني مثلَه قَبلَه ولا بعدَه صلّى الله عليه وآله وسلّم”.

وفي رواية عن الإمام الباقر (ع) قال: أنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) سُئِلَ عن خيار العباد، فقال: “الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا غضبوا غفروا”.

وﻗﺎل الإمام الصادق (ع): “اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣَﻦ ﻃﺎب
ﻣَﻜﺴَﺒُﻪ، وﺣَﺴُﻨﺖ ﺧﻠﻴﻘﺘُﻪ، وﺻَﺤَّﺖ ﺳﺮﻳﺮﺗُﻪ، وأﻧﻔَﻖَ اﻟﻔﻀﻞ ﻣِﻦ ﻣﺎﻟﻪ، وأﻣﺴَﻚَ اﻟﻔﻀﻞ ﻣِﻦ ﻛﻼﻣﻪ، وﻛﻔﻰ اﻟﻨﺎس ﺷﺮَّه، وأﻧﺼَﻒَ اﻟﻨﺎسَ ﻣِﻦ ﻧﻔﺴِﻪ”.

ويقول الراوي سمعتُ أبا عبدالله (ع) يقول لأصحابه: “اتقوا اللهَ وكونوا إخوةً بَرَرَة متحابّين في الله، متواصلين متراحمين، تَزاوَروا وتلاقوا وتَذاكَروا أمرَنا وأحيوه”.

وقال أيضاً: “رَحِمَ اللهُ امرءً ألَّفَ بين ولييّن لنا، يا مَعشَر المؤمنين تَآلَفوا وتَعاطَفوا”.

حينما نستنطق هذه الروايات وننظر إلى واقع بعض الشيعة وفيهم أحياناً نفرٌ من المعمَّمين يغمرنا الخجل من أئمتنا الأطهار (ع) أسفاً على تلك السلوكيات التي لا تليق بشيعتهم.

أيها المؤمنون والمؤمنات:
كلّنا في سفينة واحدة.. والله يمتحننا بأخطاء بعضنا على البعض.. قال ربّنا عزّوجل: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا).

ففي البداية.. يجب أن نطرد عن بالنا أننا لا نخطأ، فإذا تذكّرنا دائماً أن المعصومين هم أربعة عشر وليّاً من أولياء الله فقط.. هنالك سنعرف الموقف السليم من الأخطاء التي تحدث بيننا.. وهي على نوعين:

1/ نوع عفوي سهوي أو حتى العمدي ولكنه ليس بدافع الخبث بل نتيجة غضب طارئ وضغط نفسي مؤقت.

2/ نوع مقصود ومتكرَّر ويقف خلفه الحقد والحماقة المتجذرة.

فبالنسبة للنوع الأول.. الحلّ هو الصبر ومواصلة الطريق بروح العفو والتسامي.

وبالنسبة للنوع الثاني.. يكون الحلّ في أن نقول لصاحبه خُذ طريقك واتركنا في طريقنا.

لذا أيها الأحبّة وجب علينا أن نجاهد أهواءنا من داخلنا ونقمع شياطين الإنس والجنّ من خارجنا حتى نصل إلى الرتبة العالية التي أرادها لنا محمد وآل محمد (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين).

أبارك لكم جميعاً هذا العيد السعيد وأنا أدعوكم ونفسي إلى وعي العيد كما ذكرتُه والعمل برسالته كما بيّنتُه.

ودمتم موفقين لكل خير.

للاعلى