معنى الصلاة..
عند الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع).

تلخيصا لمحاضرة سماحته التي ألقاها في فعالية الأسبوع الثقافي الثاني بحسينية أشبال الزهراء (منطقة راس رمان) في البحرين.
(19/شوال/1435):

بسم الله الرحمن الرحيم

1. الفلاح.. قمة النجاح، بل هو النجاح الأكبر والسعادة التي تبلغ ذروتها بالجنة، ولا يوجد عاقل في هذه الدنيا لا يحب الحصول على ذلك. إلا أن تحقيق هذا الهدف له جملة شروط:
*التزكية*ذكر الله*الصلاة.

فالذي لم يطهر قلبه من الرذائل النفسية ولم يوجه قالبه نحو الفضائل الأخلاقية، لم ير الفلاح أبدا. وكذلك الشخص الذي لا يذكر الله ولا يصلي.
هذا هو قول ربكم عزوجل: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ).

2. تلك هي شروط الفلاح.. وحيث عرفتها.. إعرف أن للجنة ثمنها كما لكل نجاح ثمنه…

ولا يكفي ذلك إلا أن تعلم أيضا بأن أكبر ما يهدد التزامك بهذه الشروط هو ميلك إلى شهوات الدنيا وإيثارك لها على نداءات الله الذي يقول بعد تلك الآيات: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا).

3. لابد من دافع داخل نفسك.. يحركك نحو تغليب جانب “التزكية والذكر والصلاة” على جاذبية الدنيا وشهواتها.. ذلك هو أن تعرف كم في الجنة من لذات لا تقاس بلذات الدنيا: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ).. إنها تنتظرك.. وحور العين لا تفوت!!

4. نبدأ بشرح معنى الصلاة قليلا.. وهي أهم وسيلة للتزكية وأبرز مصداق لذكر الله.. لذا كانت عمود الدين “إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها”.

كيف نفهمها وكيف نقيمها وكيف نتحصن بها في وجه السهام التي تطلقها علينا شياطين الجن والإنس؟

وهنا بالطبع لا نتحدث عن صلاة الساهين!! فالويل لمصليها!! بل نبحث عن صلاة الخاشعين، وهي ما قال عنها إمامها الإمام الصادق (ع): ” أحب الأعمال إلى الله عزوجل، الصلاة. وهي آخر وصايا الأنبياء”.

وحينما يؤكد كل نبي في أنفاسه الأخيرة على أهمية هذه الفريضة التي مارسوها طوال حياتهم فاعلم إذن كم للصلاة من آثار وبركات!! حتى يقول الإمام الصادق (ع): “للمصلي ثلاث خصال.. إذا قام في صلاته يتناثر عليه البر من أعنان السماء إلى مفرق رأسه. وتحف به الملائكة من تحت قدميه إلى أعنان السماء. وملك ينادي أيها المصلي لو تعلم من تناجي ما انفتلت”.

5. نعم.. إن صلاة بهذه الأهمية لابد للعاقل أن يتعلمها.. فما هي هذه الصلاة؟
يقول الإمام الصادق (ع): “إذا استقبلت القبلة فانس الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك من كل شاغل يشغلك عن الله، وعاين بسرك عظمة الله، واذكر وقوفك بين يديه.. يوم (تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ ۚ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ).

6. الصلاة.. وهي طمأنينة للقلب وسكينة للنفس وتركيز للفكر على الصعيد الفردي، لها معطيات أخرى على الصعيد العائلي والإجتماعي.. مثل تنظيم الوقت والإنضباط في السلوك العائلي والتداخل الإيجابي مع الناس.. وتمتد عطاءاتها على كافة الصعد الأخرى من خلال إقامتها بشكل جماعي.. بما فيها العطاءات السياسية لما تظهر الصلاة بمظهر الجماعة المتماسكة والصفوف المتراصة لتعطي صورة التلاحم.. وهو لا يخلو أيضا عن المنفعة الإقتصادية، حيث العلاقات تتوثق في تلك اللقاءات العبادية وتنتج التعاون المادي على نحو الحلال الطيب.

من هنا جعل الله تعالى ثواب صلاة الجماعة في المسجد أكبر من ثواب صلاة الفرادى في البيت.
يقول الإمام الصادق (ع): “من مشى إلى مسجد يطلب فيه صلاة الجماعة كان له بكل خطوة يخطوها سبعين ألف حسنة”.

وبعد صلاتك في المسجد جماعة.. أطلب حاجاتك من خالقك الكريم.. فبينما ترى شعبا يطالب حكومته على مدى سنوات حاجته إلى العدل ويضحي بدمه وماله وعرضه وراحته من أجل كرامته وحريته.. ترى الله سبحانه يعطيك مطالبك في صلاة الجماعة وهو يستحي منك أيضا!!

يقول الإمام الصادق (ع): “إن الله يستحي من عبده إذا صلى في جماعة ثم سأله حاجته أن ينصرف حتى يقضيها”.

7. كم يجب علينا الإمتنان وتقديم الشكر قولا وفعلا إلى النبي محمد وأهل بيته الذين علمونا هذه الثقافة الرائعة في الصلة بالله ولغة العلاقة بالله وطريقة الحديث مع الله.. لقد أرادوا لنا أن نسمو بمعراج صلاتنا إلى الله ونحن نقرأ في قنوتها مثلا مناجاة الإمام علي أميرالمؤمنين ومولى الموحدين (ع): “إلهي كفى بي فخرا أن أكون لك عبدا.. وكفى بي عزا أن تكون لي ربا.. إلهي أنت كما أحب، فاجعلني كما تحب”.

8. أيها الشباب الجعفريون.. بهذه الصلاة (الصادقية) إمتحنوا جعفريتكم.. فإن للإنتماء إلى مذهب الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) علامات ثلاث.. هكذا قالها بنفسه (روحي له الفداء): “إﻣﺘﺤﻨﻮا ﺷﻴﻌﺘﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﺛﻼث: ﻋﻨﺪ ﻣﻮاﻗﻴﺖ اﻟﺼﻼة، ﻛﻴﻒ ﻣﺤﺎﻓﻈﺘﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ.. وﻋﻨﺪ أﺳﺮارﻫﻢ، ﻛﻴﻒ ﺣﻔﻈﻬﻢ ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻋﺪوﻧﺎ.. وإلى أﻣﻮاﻟﻬﻢ،
ﻛﻴﻒ ﻣﻮاﺳﺎﺗﻬﻢ ﻹﺧﻮاﻧﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ”.

* وختاما..

أليس من العيب أن يسمع أحدنا صوت الأذان ولا يترك ما بيده ويسرع إلى تلبية دعوة الله له!!

هذه إهانة لله.. وكيف يريد البعض أن ينظر الله إليه في الشدائد وهو هكذا يهين ربه في الرخاء؟!

إن هذا الإستخفاف بالصلاة نوع من الوقاحة التي لا يليق صدورها عن المسلم الشيعي تجاه ربه تبارك وتعالى.

فهذا مولانا الإمام الصادق (ع) -أو أحد من الأئمة لا أستحضر إسمه الآن- يقول -بما معناه-: “أن أباه (ع) قال له في ساعة الإحتضار.. أبلغ شيعتي السلام وقل لهم لا تنال شفاعتنا المستخف بالصلاة”!!

هذه حالة المستخف بصلاته والمتهاون في إقامتها وأدائها.. فكيف تكون حالة تاركها -والعياذ بالله-!!

أللهم وفقنا إلى صلاة تصلنا بك وتوصلنا إلى جنتك.. وتسكننا بها في جوار نبيك وآل نبيك والصالحين والأبرار من عبادك.. إنك أرحم الراحمين.

للاعلى