تلخيصا لمحاضرة سماحته (حفظه الله) التي ألقاها في مأتم مدينة عيسى مساء الخميس وحسينية أهل البيت (عليهم السلام) مساء الجمعة (27 و 28 من شهر شعبان) بمناسبة قرب شهر رمضان المبارك عام 1435

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد:

لقد أعطى الله لبعض الأمكنة وبعض الأزمنة قدسية خاصة فتميزت عن غيرها بأحكام شرعية مرتبطة بها.. فمثلا الكعبة المشرفة والمسجد الحرام والمسجد النبوي ومسجد الأقصى والمشاهد المشرفة لأئمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وخراسان والبقيع وفيها قبور الأنبياء وألأوصياء والعباد الصالحين.. وحتى المساجد العادية لها أحكام تميزها عن بيتي وبيوتكم.. وهكذا بعض الأزمنة مثل (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانَِ) وفي هذا الشهر توجد (لَيْلَةُ الْقَدْر)ِ التي هي (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ). وكذلك في بقية الشهور أيام وليال لها خصوصيتها عند الله مثل يوم عاشوراء ويوم الغدير ويوم عرفة وعيد الأضحى…

والسؤال هنا:
لماذا هذا التميز المكاني والزماني؟

الجوب:
لأن الله حيث خلقنا وأرادنا للجنة جعل لنا محطات في الدنيا نتزود منها وقود الهداية لنبصر بها نور السير اليه يضخ فينا إرادة التغيير نحو طاعته بفعل الحلال والفضائل وترك الحرام والرذائل.

وهذا الأمر يتطلب تشريع الأحكام منه عزوجل لنعمل بها والعمل هو شرط النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة.. فلا جنة بلا مسؤوليات نتحملها تجاه ربنا وأنفسنا وأهلينا ومجتمعنا ووطننا وآخرتنا. ولكن العمل مع التقوى وهو سر القبول عند الله حيث جاء في القرآن الكريم (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

والآن.. كيف نكسب هذا السر لتكون أعمالنا مقبولة ولا نتحسر في يوم القيامة على جهود بذلناها في الدنيا وكنا نحسبها طريقا الى الجنة؟!
واكتساب التقوى يكون بالتركيز على رضا الله.. بمعنى لو وضعنا في ركيزتنا رضا الله فقد صنعنا في داخلنا الدافع نراقب أنفسنا ونحاسبها حتى يجعلنا الله من المتقين.. نطيعه ولا نعصيه.. ونقف عند حاجز الحرام ولا نتجاوز حدود الله. هكذا نكون إذا صرنا لا يهمنا إلا رضا الله.

لذلك كان الإمام الصادق (عليه السلام) يقول في دعائه: “أللهم ووفقني إلى ما أوجبته علي من كل ما يرضيك”.
ولهذا كان جده الإمام الحسين (عليه السلام) وهو في أصعب آلامه على رمضاء كربلاء يناجي الله ويقول: “إلهي رضا برضاك لا معبود سواك”.

فالطالب لرضا الله يتقي الله ويخاف غضب محبوبه دائما. تعالوا نأخذ هذه البصيرة من عرفان محمد وآل محمد (عليهم الصلاة والسلام) لندخل بها إلى شهر رمضان وإلا فصومنا لا يكون سوى جوعا وعطشا ثم عيد بلا أي تغيير يقربنا إلى الله ونستحق بها ثواب الجنة.

أعطيكم هنا مثالا أيها الأحبة.. يدخل أحدكم منزله ويضغط على مفاتيح الإنارة لتنير له الغرفة والصالة مثلا.. ولكن لو كان المفتاح الرئيسي الذي نسميه (فيوز) مغلقا.. مهما يضغط صاحبنا على مفاتيح الإنارات لن يعطيه إنارة.. أليس كذلك؟!

وهكذا أعمالنا لن نؤجر عليها إلا بمفتاح التقوى.. ومن ورائه دافع حب الله في الحرص على رضاه.

بهذه الرؤية العميقة نقرأ تعليمات حبيب الله الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) في خطبته التي هيء المسلمين بها لشهر رمضان شهر التميز.. ننظر في فقرات هذه الخطبة المباركة كما رواها الإمام الرضا عن آبائه عن جده الإمام علي (عليهم السلام) قال:
“إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبنا ذات يوم (في آخر جمعة من شهر شعبان) فقال: أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاءكم فيه مستجاب. فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي كل الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم. وتوبوا إلى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء، في أوقات صلاتكم فإنها أفضل الساعات ينظر الله فيها إلى عباده بعين الرحمة، يجيبهم إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه ويعطيهم إذا سألوه ويستجيب لهم إذا دعوه. أيها الناس، إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين. أيها الناس، من فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه. فقيل: يا رسول الله وليس كلنا يقدر على ذلك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إتقوا الله ولو بشربة من ماء، واتقوا النار ولو بشق تمرة.
أيها الناس: من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن خفف فيه عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضاً كان له ثواب من أدى سبعين فريضة في ما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور. أيها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا الله أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: ما يبكيك، فقال: أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد أتبعك أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك.
فقلت: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟
فقال: نعم في سلامة من دينك.
ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي أنت مني كنفسي، حربك حربي وسلمك سلمي، من أحبك فقد أحبني من جفاك فقد جفاني”.

أجل أيها المؤمنون.. أيتها المؤمنات:
إن إمامكم عليا (عليه السلام) الذي علمكم معنى الصبر والصمود لا يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أخبره أنه سيغتال في شهر رمضان: كيف أفر بجلدي من خطر الاغتيال؟! بل يسأله هل يكون في تلك اللحظة على سلامة من دينه؟!
ولما اطمئن بجواب النبي له استبشر الشهادة وعاش بعده مستعدا لها وينتظر تلك اللحظة التي يهتف ورأسه مفلوق بسيف بن ملجم الخارجي -الداعشي!!- (عليه اللعنة):
“فزت ورب الكعبة”.
نعم.. “فزت ورب الكعبة” الكلمة التي أطلقها ليسمعه البشرية كلها الى يوم القيامة.

فأهم دروس نخرج بها من شهر رمضان.. هو التقوى ورضا الله وسلامة الدين والفوز حين الموت…

أرجو قد وعينا هذه المبادىء جيدا كي يكون عيدنا عيدا حقيقيا بمعنى العودة إلى قيم الله في الدنيا لتأسيس العودة إلى جنة الله في الآخرة.

وصدق الله العلي العظيم الذي قال:
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

وهذا يبدأ مع اتخاذ القرار.. وأنتم رجاله.

والسلام عليكم
وصلي اللهم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
* أيها الناس..
قد جاءكم شهر التغيير والتميز

مكتب العلامة المهتدي في البحرين ينشر تلخيصا لمحاضرة سماحته (حفظه الله) التي ألقاها في مأتم مدينة عيسى مساء الخميس وحسينية أهل البيت (عليهم السلام) مساء الجمعة (27 و 28 من شهر شعبان) بمناسبة قرب شهر رمضان المبارك عام 1435

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد:

لقد أعطى الله لبعض الأمكنة وبعض الأزمنة قدسية خاصة فتميزت عن غيرها بأحكام شرعية مرتبطة بها.. فمثلا الكعبة المشرفة والمسجد الحرام والمسجد النبوي ومسجد الأقصى والمشاهد المشرفة لأئمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وخراسان والبقيع وفيها قبور الأنبياء وألأوصياء والعباد الصالحين.. وحتى المساجد العادية لها أحكام تميزها عن بيتي وبيوتكم.. وهكذا بعض الأزمنة مثل (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانَِ) وفي هذا الشهر توجد (لَيْلَةُ الْقَدْر)ِ التي هي (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ). وكذلك في بقية الشهور أيام وليال لها خصوصيتها عند الله مثل يوم عاشوراء ويوم الغدير ويوم عرفة وعيد الأضحى…

والسؤال هنا:
لماذا هذا التميز المكاني والزماني؟

الجوب:
لأن الله حيث خلقنا وأرادنا للجنة جعل لنا محطات في الدنيا نتزود منها وقود الهداية لنبصر بها نور السير اليه يضخ فينا إرادة التغيير نحو طاعته بفعل الحلال والفضائل وترك الحرام والرذائل.

وهذا الأمر يتطلب تشريع الأحكام منه عزوجل لنعمل بها والعمل هو شرط النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة.. فلا جنة بلا مسؤوليات نتحملها تجاه ربنا وأنفسنا وأهلينا ومجتمعنا ووطننا وآخرتنا. ولكن العمل مع التقوى وهو سر القبول عند الله حيث جاء في القرآن الكريم (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

والآن.. كيف نكتسب هذا السر لتكون أعمالنا مقبولة ولا نتحسر في يوم القيامة على جهود بذلناها في الدنيا وكنا نحسبها طريقا الى الجنة؟!

التقوى.. هو القاعدة التي يجب عليها البناء.. ولكن السؤال ينتقل الى التقوى.. كيف نكتسبه؟

نكتسبه بالتركيز على رضا الله.. بمعنى لو وضعنا في ركيزتنا العقلية والروحية رضا الله هدفا أساسيا هنالك صنعنا في داخلنا الدافع الذي نراقب به أنفسنا ونحاسبها.. وبذلك يجعلنا الله من المتقين.. أن نطيعه ولا نعصيه.. ونقف عند حاجز الحرام ولا نتجاوز حدود الله. هكذا نكون إذا صرنا لا يهمنا إلا رضا الله.

لذلك كان الإمام الصادق (عليه السلام) يقول في دعائه: “أللهم ووفقني إلى ما أوجبته علي من كل ما يرضيك”.
ولهذا كان جده الإمام الحسين (عليه السلام) وهو في أصعب آلامه يتململ على رمضاء كربلاء يناجي الله ويقول: “إلهي رضا برضاك لا معبود سواك”.

فالطالب لرضا الله يتقي الله ويخاف غضب محبوبه دائما. تعالوا نأخذ هذه البصيرة من عرفان محمد وآل محمد (عليهم الصلاة والسلام) لندخل بها إلى شهر رمضان وإلا فصومنا لا يكون سوى جوعا وعطشا ثم عيد بلا أي تغيير يقربنا إلى الله ونستحق بها ثواب الجنة. علما أن كثيرا من الناس يخطفهم الشيطان في هذا الشهر ليزدادوا فسادا ولهوا وإسرافا وتبذيرا.

فليكلا نكون من هؤلاء أعطيكم سمعكم واصغوا لي أيها الأحبة.. يدخل أحدكم منزله ويضغط على مفاتيح الإنارة لتنير له الغرفة والصالة مثلا.. ولكن لو كان المفتاح الرئيسي الذي نسميه (فيوز) مغلقا.. فمهما يضغط صاحبنا على مفاتيح الإنارات لن تعطيه إنارة.. أليس كذلك؟!

وهكذا أعمالنا، لن نؤجر عليها إلا بمفتاح التقوى.. ومن ورائه دافع حب الله في الحرص على رضاه.

بهذه الرؤية العميقة نقرأ تعليمات الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) في خطبته التي هيء المسلمين بها لشهر رمضان شهر التغيير والتميز.. فلننظر في فقرات هذه الخطبة المباركة كما رواها الإمام الرضا عن آبائه عن جده الإمام علي (عليهم السلام) قال:
“إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبنا ذات يوم (في آخر جمعة من شهر شعبان) فقال: أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاءكم فيه مستجاب. فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي كل الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم. وتوبوا إلى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء، في أوقات صلاتكم فإنها أفضل الساعات ينظر الله فيها إلى عباده بعين الرحمة، يجيبهم إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه ويعطيهم إذا سألوه ويستجيب لهم إذا دعوه. أيها الناس، إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين. أيها الناس، من فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه. فقيل: يا رسول الله وليس كلنا يقدر على ذلك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إتقوا الله ولو بشربة من ماء، واتقوا النار ولو بشق تمرة.
أيها الناس: من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن خفف فيه عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضاً كان له ثواب من أدى سبعين فريضة في ما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور. أيها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا الله أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: ما يبكيك، فقال: أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد أتبعك أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك.
فقلت: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟
فقال: نعم في سلامة من دينك.
ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي أنت مني كنفسي، حربك حربي وسلمك سلمي، من أحبك فقد أحبني من جفاك فقد جفاني”.

أجل أيها المؤمنون.. أيتها المؤمنات:
هذا شهر رمضان.. قد جاءكم بكل ما فيه من تميز لتغيروا أنفسكم الى الأفضل في كل المجالات المرضية عند الله.

وهذا إمامكم عليا (عليه السلام) يعلمكم معنى الصبر في طاعة الله والصمود في وجه أعداء الله.. فلما أخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه سيغتال في شهر رمضان.. لم يسأله: إذن كيف أفر وأنجو من خطر الاغتيال؟! بل يسأله هل أكون في تلك اللحظة على سلامة من ديني؟!
وترله لما اطمئن من جواب النبي له استبشر الشهادة وعاش بعده سنوات مستعدا لها ومنتظرا اللحظة التي يهتف فيها ورأسه مفلوق بسيف بن ملجم الخارجي -الداعشي!!- (عليه اللعنة): “فزت ورب الكعبة”.

نعم.. “فزت ورب الكعبة” الكلمة التي أطلقها إمامكم العظيم لتسمعه البشرية كلها الى يوم القيامة.

فأهم دروس نخرج بها من شهر رمضان.. هو أن ندخلها بهذه البصيرة.. حتى نعيش الى شهر رمضان قادم بإذن الله في نور التقوى وإشراقات رضا الله وسلامة الدين إلى اللحظة الأخيرة من الحياة لأخذ وسام الفوز بالجنة..

وصدق الله العلي العظيم الذي قال:
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

فلنتخذ القرار.. وكلنا رجاله.

والسلام عليكم
وصلي اللهم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

للاعلى