الإمام الكاظم (عليه السلام)
المسجون المنتصر…

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله ناصر كل مظلوم.. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الأصفياء واللعنة على ظالميهم من الآن إلى اليوم المعلوم.

(السلام على حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة، المعذَّب في قعر السجون وظلم المطامير، ذي الساق المرضوض بحلق القيود، الإمام باب الحوائج موسى بن جعفر الكاظم).

وأما بعد:

لقد ظن الخليفة العباسي هارون اللارشيد أنه باعتقال إمامنا موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وجعجعته من سجن إلى سجن -على امتداد ثلاثة عشرة وفي رواية سبعة عشرة سنة- سوف يحقق لحكمه بقاءًا على الأرض، ولكن الله دفنه وامبراطوريته العنكبوتية الواهنة والتي كانت تشمل مساحتها الجغرافية كل البلدان العربية والاسلامية المقطعة اليوم إلى دول ودويلات، وفي المقابل رفع الله الإمام الكاظم (عليه السلام) في قلوب مئات الملايين والذي أخرجه الجلادون من سجن بغداد جنازة محمولة ورموه في الطريق العام، وقد أتى الشيعةُ الأوفياءُ يحملون جسدَه الشريف إلى مثواه الأخير بين حُزْنٍ وبُكاءٍ وعليه آثار التعذيب والأغلال، وبين لعنٍ ودعاءٍ على الطغاة والقتلة المتقمصين خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذبًا وزورًا.

أين هارونُ وأين جلَّادُوه، وأين السجَّانُون وأين مديرُ سجن بغداد السندي بن شاهك اليهودي الذي قضى على الإمام الكاظم (عليه السلام) في ساعاته الأخيرة؟؟!!

إن التفكُّر في هذا الحدث التاريخي المهم يفضي لا محالة إلى وعي الموقف من كلِّ الحكومات السائرة على نهج الذين انقرضوا دنيويًا وهم في نار جهنم خالدون.

نعم.. والتاريخ يعيد نفسه برجال مظلومين وأشباه رجال ظالمين.. وما أكثر العبر وأقلُّ الإعتبار.
ودليل ذلك هو حثالات التكفير الجبناء أولاد البغايا اللقطاء الذين يفجرون أبدانهم النتنة في زوار قبر الإمام الكاظم حفيد رسول الله فيقتلون العزل من الرجال والنساء واﻷطفال، كما قتل أسلافُهم قبل قرون وعقود وسنين زوارا سابقين من محبي أهل البيت الطاهرين. وليس حراما لو تمنينا للذي يفجِّر نفسه في الأبرياء أن يعرف الطريق الذي انتهى إليه القتلة من قبله!!

وقد قال ربنا عزوجل:

(مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ).
[سورة المائدة : 32]

إنَّنا أيها الموالون لأهل بيت النبي المصطفى محمد (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) وفي ذكرى استشهاد مولانا الكاظم غريب السجون وشهيد المنافي والتعذيب والشجون.. كلُّنا مدعوون إلى المزيد من معرفة فكره وأخلاقه وعباداته وتقواه وحكمته وصبره وسياسته وجهاده..

إنه الإمام الجامع لكلِّ هذه الأبعاد، ولا يجوز ﻷي شيعي أن يمزقه على أجزاء ثم يأخذ منه جزءًا يهواه ويعرض عن جزء.

إنَّ النظرة الشمولية المترابطة إلى شخصية أئمتنا الأطهار من آل بيت النبي المختار يجب أن تكون هي الهدف للتَّكامل بهم في الحياة؛ ﻷنَّ التَّبعيض فيهم كتبعيض اليهود الذين ندَّد اللهُ سبحانه بهم في القرآن الكريم حينما ذكر جرائمهم ومناكرهم قائلا:

(ثُمَّ أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [سورة البقرة : 85]

فإذا اتَّجه الآخرون من المسلمين طريق اليهود في القتل والتشريد والتحريض الطائفي وهم يُشَرِّعُون للإثم والعدوان على غيرهم والمساومة على سجنائهم الأسرى الأبرياء وهو حرام بالتأكيد.. فلا نكونَنَّ نحن شيعة أهل البيت على خطاهم وبأسلوبٍ آخر وتبريرٍ آخر…

فما فعلته الشرطة العراقية (وهم شيعة!!!) قبل أيام في النجف الأشرف من اعتقال عدد من طلبة العلوم الدِّينية الباكستانيين (وهم مهاجرون شيعة) وبذريعة الإقامة غير القانونية، لهو مثال صارخ لانتهاك القيم الدِّينية والأخلاق السياسية، وهو نسيان واضح للأفعال نفسها التي كان يمارسها صَدَّام ضد الطلاب غير العرب في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات حتى انطفأ ذليلاً في 2003م!!

إننا في الوقت الذي نستنكر على كلِّ حاكم وكلِّ مهووس سياسي إرتكابه الظلم ضدَّ الآخرين، نحذِّر من عاقبة الغرور ونذكِّر بنتيجة الطغيان، ونقول ناصحين:
إن كانت قراءة التاريخ البعيد للطواغيت والجبابرة والفراعنة صعبة عليكم، فاقرأوا التاريخ القريب لهم بدءًا من الشاه ثم صدَّام ثم بن علي ثم حسني مبارك ثم القذَّافي وغيرهم..

ولا ننسى هنا سجناء بلادنا الكئيبة، الذين طالبوا بالعدل فزادوهم ظلمًا وما أكثر المحايدين بين السلطة والمعارضة شملتهم الإعتقالات العشوائية لزيادة العدد.. ولكنَّ الحال بعين الله وإليه المشتكى حيث قال في محكم كتابه الكريم: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [سورة الرعد: 24]

كما لا ننسى أيضًا أن نبارك لشعبنا قرب الإفراج عن الحقوقي الشجاع نبيل رجب بعد انتهاء مدَّة سجنه (سنتين)، إننا نثمِّن مواقفه الإنسانية في الدفاع عن حقوق المواطنين المشروعة في الإسلام ودستور البلاد والمواثيق الدولية.. ونشكره على صموده.

وختامًا:

نوصي المؤمنين بإسلام محمد آل محمد أن يتأملوا في قول إمامهم موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) هذا، ففيه المنهج والموقف معًا:

عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت على موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقلت له:
يابن رسول الله أنت القائم بالحق؟
فقال: «أنا القائم بالحق ولكنَّ القائم الذي يطهّر الارض من أعداء الله عزّ وجلّ ويملأها عدلًا كما ملئت جورًا وظلمًت هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفًا على نفسه، يرتدُّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.
ثم قال (عليه السلام): طوبى لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة».

فلا أحد منكم يخسر ولاءه لمحمد وآل محمد في زمن الفتن العقائدية والهزات السياسية والمغالطات الإعلامية.. وما يدريكم فلعل الصبح لناظره لقريب والنصر للمؤمنين غير بعيد!!

سائلين من الله العلي القدير ما سأله إمامنا الكاظم (سلام الله عليه) في دعائه:

أَللَّهُمَّ إنِّي أُشْهِدُكَ وَكَفى بِكَ شَهِيداً، وَأُشْهد جَمِيعَ مَلائِكَتِكَ، وَسُكَّانَ سَمواتِكَ، وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ، وَمَنْ بَعَثْتَ مِنْ أَنْبِيآئِكَ وَرُسُلِكَ وَأَنْشَأْتَ مِنْ أَصْنافِ خَلْقِكَ، أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ، وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، وَلا عَدِيلَ وَلا خُلْفَ لِقَوْلِكَ وَلا تَبْدِيْلَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أَدَّى ما حَمَّلْتَهُ إلَى الْعِبادِ، وَجاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ الْجِهادِ، وَأَنَّهُ بَشَّرَ بِما هُوَ حَقٌّ مِنَ الثَّوابِ، وَأَنْذَرَ بِما هُوَ صِدْقٌ مِنَ الْعِقابِ.

أَللَّهُمَّ ثَبِّتْنِي عَلى دِينِكَ ما أَحْيَيْتَنِي، وَلا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَاجْعَلْنِي مِنْ أَتْباعِهِ وَشِيعَتِهِ وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِ وَوَفِّقْنِي لاَداءِ فَرْضِ الْجُمُعاتِ، وَما أَوْجَبْتَ عَلَيَّ فِيها مِنَ الطَّاعاتِ، وَقَسَمْتَ لاَِهْلِها مِنَ الْعَطآءِ فِي يَوْمِ الْجَزآءِ، إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

وأنا الفقير إلى رحمة ربه الغني:
عبدالعظيم المهتدي البحراني
24/ شهر رجب / 1435
2014/5/24

للاعلى