فاطمة الزهراء…
(صديقة الإسلام.. ميزان الهدى والفرقان)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي هدانا سبل الجنان ونهانا عن اتباع خطوات الشيطان.. حمدا نسعد به في السعداء من أوليائه ونصير في نظم الشهداء بسيوف أعدائه.. ثم الصلاة والسلام على نبينا الأمين سيد المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.. واللعنة الأبدية على من ظلموهم وسفكوا دماءهم إلى يوم الدين.

وأما بعد فقد قال الله عزوجل:

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)

وقال تعالى:

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ).[سورة آل عمران:61]

ذلك بعض ما ورد في القرآن الكريم عن مقام سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت النبي محمد.. وزوجة الوصي علي.. وأم السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة.. جدة الأئمة التسعة من أولاد الحسين سيد الشهداء (سلام الله وصلواته عليهم أجمعين)…

كم هو رائع.. وكم هو مبعث اعتزاز أن ننتمي لدين يكون هؤلاء الأبرار دعاته وقادته.. كيف لا وقد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بإرادة حصرية خاصة منه (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا). [سورة اﻷحزاب : 33]

ذلك ليقدمهم لنا أئمة يهدوننا بأمره قائلا في محكم كتابه أيضا: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
[سورة السجدة : 24]

من هنا.. فإننا نشكر الله تبارك وتعالى إذ وفقنا للإهتداء إليه بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) مبتهلين أن يرزقنا المزيد من التوفيق لفهم أقوالهم والتأسي بأفعالهم وأن يختم عواقبنا لنستحق الحشر معهم في الجنة يوم لا ينفعنا مال ولا بنون إلا من أتى الله بتلك القلوب التي سلم دينها وامتلئت بالمودة في القربى.. تلك القلوب التي قادت أصحابها إلى العمل الصالح تحت راية الولاية لهم والبراءة من أعدائهم.

نشكر الله شكرا يفتقر إلى شكر.. ونحن اليوم تمر علينا ذكرى استشهاد فاطمة الزهراء محور أولئك الأنوار التي تدور حولها الأفلاك.. البنت الوحيدة لرسول الله وتلك المدللة على قلبه الحنون والتي فارقت الحياة بعده بتسعين يوما!!

هل للغيارى في هذه الأمة التي تفخر بالنبي محمد إذ أعطاها قيمة الآدمية بعد لؤم الجاهلية أن يجيبوا على الأسئلة التالية:

* لماذا ماتت فاطمة وهي شابة في الثامنة عشر من ربيعها ولم تكن سقيمة في حياة أبيها؟!

* لماذا أوصت زوجها الإمام علي (عليهما السلام) أن يدفنها ليلا ولا تريد أحدا ممن غضبت عليهم أن يحضروا تشييع جنازتها؟!

* لماذا إلى يومنا هذا لا أحد من المسلمين يعرف موضع قبرها.. أليست هي بنت نبيهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

ثلاثة أسئلة لا أكثر.. نتحدى من يدعي الإجابة عليها أن يقول الحقيقة من دون أن يفتح ملفات الخزي على الذين أعلنت فاطمة أنها غاضبة عليهم!!

وفي الجدال باللتي هي أحسن كما أمرنا القرآن الكريم.. فإننا لا نتردد في القول بأن فاطمة كانت غاضبة على الذين ذكرهم تاريخ المسلمين (السنة) بالإسم.. وتلك صحاحهم وكتبهم المعتبرة تشهد.. وتشهد بمكانة بنت الرسول محمد.. ومن فمك أدينك يا أخي في الدين!!

راجع مصادرك.. وهذا بعضها:
(صحيح البخاري/ ج 5 – ص 82 و ج 8 ص 3. صحيح مسلم النيسابوري/ ج 5 – ص 153 – 154. السنن الكبرى/ البيهقي – ج 6 – ص 300. عمدة القاري/ العيني/ ج 17 ص 257 – 259. صحيح ابن حبان / ج 11 ص 152 – 154. شرح نهج البلاغة/ ابن أبي الحديد/ ج 6 ص 47 – 51فتح الباري/ ج‍5، ص 571 – 572. الفتح/ ج‍3 ص 140. الإمامة والسياسة ص 15. البخاري/ ج‍5 ص 143. النسائي ص 78. صحيح مسلم ج 2 ص 290. ينابيع المودة لذوي القربى/القندوزي/ج ٢ – ص ٥٣. وصحيح مسلم/ج٢-ص٤٦٦ باب ١٥. وسنن الترمذي/ ج٥-ص ٣٥٩ -حديث ٣٩٥٩ و ٣٩٦١. والشفاء/ ج٢-ص٣٠٨. وسنن ابن ماجة/ ج١-ص٥٢ حديث ١٤٥. والإصابة/ج٤-ص ٣٧٨. وصحيح البخاري/ج٤-ص 209).

نعم.. يختزن غضب فاطمة ما لا يعد من الحقائق التاريخية والعقائدية والسياسية والأخلاقية التي حاول كثيرون إخفاءها حبا في أعداء فاطمة أو جهلا بأولوية رضاها أو تقية في غير محلها.. ولكن هيهات أن ينتصروا على فاطمة التي ملئت الدنيا أنصارا للحقيقة!!

كم هي عظيمة بنت محمد.. تدير المعركة على كل الجبهات من قبرها المجهول.. حقا إنها صديقة الإسلام.. ميزان الهدى والفرقان!!

إنها فاطمة الإستثنائية بين البشر من قبل ومن بعد.. لذا هي ليست كأية إمرأة أخرى.. هي فاطمة وما أدراك ما هي فاطمة…

تصور أيها المسلم لو أن نبيك محمد بن عبدالله لم تكن له فاطمة!!

مجرد أن تتصور فقط.. وستعرف أن محمدا من غير فاطمة لا ذرية له ولا عقب.. ويعني ذلك أن المشرك الذي شانئه بالأبترية كان صادقا في الاستهزاء به -والعياذ بالله- إذن ماذا تعني سورة الكوثر بالنسبة لنا؟!

ولكن الله بتر ذلك المشرك.. وأعطى نبيه الأكرم (ص) الكوثر بمليارات السادة الأشراف على امتداد القرون بعد ذلك الزواج المبارك بين الصديقة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب.. حيث لازالت البشرية تشهد إستمرار أولاد الحسن والحسين في التكاثر وبالصالحين منهم بقيادة الأئمة من ولد الحسين قد حفظ الله دينه الحق إلى يوم القيامة.

فهل عرفت الآن كم لفاطمة من أثر محوري لله وللرسول وللأمة ولمستقبل البشرية وما يترتب لهم في الآخرة من النار أو الجنة؟!

إذا عرفت هذا ستعرف لماذا غضب فاطمة يساوي غضب الله.. والعكس صحيح أيضا.. رضاها يساوي رضا الله..
فهي إذن معصومة عن الذنب والخطأ والسهو، لأن الله لا يغضب لمن تذنب أو تخطأ أو تسهو كما لا يرضى عن مذنبة أو مخطئة أو ساهية.

إنها معادلة حسابية يدركها كل مبتدئ في علم الرياضيات!! فكيف لا يدركها المسلم إذا تفكر في شخصية فاطمة بنت النبي محمد.. تفكيرا حقيقيا ومنتجا للهداية الحقيقية؟!

فلنقرأ ما ورد في المنتخب من الصحاح الستة – تأليف محمد حياة الأنصاري – الصفحة ٣٥:

(حدثنا) أبو الوليد… أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ” فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني “.
والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد وأبو يعلى والحاكم وابن أبي شيبة والبيهقي والطيالسي وابن أبي عاصم والطبراني والخطيب وابن عبد البر وعبد الرزاق وابن حبان وغيرهم.
وقال النواوي: أما البضعة، بفتح الباء لا يجوز غيره وهي قطعة اللحم وكذلك المضغة بضم الميم. وقوله: “فمن أغضبها فقد أغضبني” وفي هذا الحديث دليل: أن تحريم إيذاء النبي (صلى الله عليه وسلم) بكل حال وعلى كل وجه… واستدل به السهيلي على أن من سبها فإنه يكفر… وكذا في “فتح الباري” وفي “شرح النواوي” (2/ 290). وما رواه الحاكم (3/ 153) والطبراني (22 / 401) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لفاطمة الزهراء: “إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك” وقال الهيثمي إسناده حسن).

نعم.. إعلموا أنها فاطمة.. هي تلك التي وقفت تخطب في أمة أبيها وقالت: لا للإنقلاب على خلافة الوصي.. لا لغصب إرث النبي.. لا لتحريف مسيرة الإسلام.. لا تفعلوها فيسلط الله عليكم طواغيتكم ثم لا تكونوا إلا أذلاء…

لقد فعلوها وهذه حالة المسلمين اليوم كما الأمس.. شر أمة أخرجت للناس يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف!! إلا قليل من عباد الله الشكور.. الذين التزموا فكر فاطمة حينما قالت:
“من أصعد إلى الله خالص عبادته أهبط الله إليه أفضل مصلحته”. والذين تربوا على معنوياتها لما كانت تدعو الله ربها تبارك وتعالى: “اللهم ذلل نفسي في نفسي، وعظم شأنك في نفسي، وألهمني طاعتك، والعمل بما يرضيك، والتجنب لما يسخطك، يا أرحم الراحمين… يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأغثني ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا.. وأصلح لي شأني كله”.

كم نحن اليوم نحتاج إليك يا فاطمة.. نحتاج إلى دينك القيم وفكرك النير ودعائك الهادي وحجابك الساتر ووعيك النافذ وبصيرتك السياسية وشجاعتك المتميزة وخطبتك التي هزت الأرض تحت الغاصبين.. نحتاج إلى خطابك البرهاني الذي لا بذاءة فيه ولا سفاهة الألفاظ السوقية.. فالقوية بمنطقها القرآني لا تتوسل بمنطق الفحش الجاهلي.. بل تقارع الباطل بدليل الحق في روائع الأدب والأخلاق.

لهذا كله نحتاج إليك يا فاطمة.. أيتها الآية والمنهج.. أيتها الحجة يا أم الحجج.. نحتاج إلى بكائك في بيت الأحزان لنفضح بدموعك ومأتمك ومظلوميتك كل الظالمين لكيلا يفلت أحد منهم من عقاب الرفض المقدس لهم إلى قيام يوم الدين…

سيدتي.. يا فاطمة.. ساعد الله قلب زوجك الطاهر الأبي أميرالمؤمنين علي.. كيف تحمل مصائبك متجلدا بوصية أبيك في عدم الرد.. وهو لما بلغه هجوم جيش معاوية على مدينة الأنبار العراقية ودخولهم بيت امرأة غير مسلمة فسلبوها قيراطها (من أذنها) فقال (عليه السلام) متألما:
“فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراَ. فيا عجباً والله يميت القلب ويجلب الهم اجتماع هؤلاء على باطلهم وفشلكم عن حقكم، فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى”.

لا أدري سيدي يا إمام المتقين.. ماذا يقول حفيدك الإمام المهدي (روحي فداه) إذن وهو يرى ملايين النساء المسلمات في زماننا (ومن الشيعة بالخصوص) ومن غير المسلمات في العالم كيف يضربن وكيف يسجن وكيف يهتك عرضهن وكيف يقتلن…

آه من الظلم الذي لن ينتهي إلا بظهورك يا مولاي.. فمتى ترانا ونراك وقد ملئت الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.

اللهم عجل لوليك الفرج…
واشفع ﻷمي فاطمة من نسل الإمام الحسين.. أمي التي أرضعتني حب جدتها فاطمة الزهراء أم الحسن والحسين…

وأنا العبد الفقير إليك يا ربي الغني:
عبدالعظيم المهتدي البحراني

13 من جمادى الأولى ذكرى استشهاد فاطمة الزهراء (عليها السلام)
وذلك بتاريخ 10/جمادى الأولى/1435
2014/3/13

للاعلى