📝 جاري الكتابة…

بقلم🖊:
عبدالعظيم المهتدي البحراني

📃 الناشر:
مكتب سماحته

🌙 التاريخ:
27/ربيع الثاني/1439

📊 العدد: (118)

🌟 السؤال الوارد؟

كان والدي المرحوم ضريرًا وأمّيًا وطيّب القلب ونحن أطفالٌ صغار، قام أخوه بكتابة وثيقة تقضي ببيع منزلنا لنفسه وأخذ إبهام والدي ووقّع به على الوثيقة من غير أن يفصح له عن الموضوع، ثم أعطىٰ اثنين من أصدقائه مبلغًا من المال للتوقيع عليها كشاهدَيْن. ولمّا مات والدي أخرج عمّي المجرم تلك الوثيقة مدّعيًا أن المنزل مِلْكًا له، وقد نَصَحَه أحدُ أبنائه وكان عارفًا بالحقيقة ولكنّه رفض نصيحته حتى مات، فقال لنا إبنه هذا سيشهد ضد إخوانه وأخواته إذا طالبوا بالإرث في منزلنا، ولكنّه مات هو الآخر قبل انعقاد جلسة المحكمة، ونحن نعلم علم اليقين أنّ أحد أولاد عمّنا الخائن يعلم الحقيقة أيضًا ولا نستبعد البقيّة أيضًا يعلمون ولكنّ الجشع يمنعهم من الإعتراف بها، وهم على الرغم من أنّ كلّ واحد منهم يعيش في بيت كالقصر لا يتنازلون عن منزل والدي المتهالك الصغير الذي يسكن فيه اثنان من اخواني وأنا مع أولادي الصغار حيث هجرني زوجي منذ 15 سنة بلا نفقة ولا تطليق، إلى أن فوجئنا قبل أيّام قد أتوا بحكم المحكمة للإخلاء يريدون بيع منزلنا وتقسيم ثمنه بينهم بعنوان الإرث. وهم يعرفون أباهم كان إلى آخر عمره يمارس الفاسق ويشرب الخمر ويلعب القمار.

شيخنا العزيز: لماذا يحدث مثل هذا الظلم في مجتمعاتنا ولا من ضمير.. إلى مَن نشكو حالنا وإلى أين نخرج من منزل والدنا وهو إرث لنا؟

🕯 الجواب:

حسب سردك لهذه القصة المؤلمة فإنّ أصل الظلم هنا بدأ من عمّكِ الفاسد، وهنا من الطبيعي أن تترك لقمة الحرام الذي أعطى أولاده هذا الأثر فيهم.. من حبّ المال الحرام (بأكل إرثكم باطلًا) وقسوة القلب (بإخراجكم من منزل أبيكم). أعاذنا الله وإيّاكم من هاتَيْن الرذيلتَيْن وأسبابهما.

حقًّا إنّه لَشيءٌ مؤسف.. ولابدّ للعقلاء وأهل الغيرة من أهلك ومن الجيران أن يفضحوا هذا الظلم وينصحوا أولاد عمّكِ كيلا يخسروا آخرتهم لفتات حطام الدنيا الفانية كما خسرها أبوهم وهو الآن مُعذَّب.

إنّ ظلم الإنسان لنفسه أو لربّه قد يغفره الله، ولكن ظلم الناس لبعضهم قد عدّه الله من كبائر الذنوب التي لا يغفرها الله حتى للشهداء رغم مكانتهم عنده إلا باسترجاع حقّ المظلوم إليه أو تنازل المظلوم عن حقّه.

مع الأسف.. هذه المظالم كثيرةٌ ومنتشرةٌ في زماننا، فبالأمس كتبتْ لي امرأة -من البحرين- حالها يشبه حالكِ في هَجْرِ زوجها العراقي عنها وكانت حديثة الزواج، سافر زوجها إلى العراق وزوجته لا تستطيع اللّحاق به، تطلب منه أن يسرّحها لتعيش حياتها وهو يعيش حياته، ولكنّه يعاند وتمرّ على هذا العناد سنوات وعمر الزوجة يكبُر وفُرَصُ زواجها من شخصٍ آخر تذهب مع حسراتها كما تقول.

وامرأة أخرى كتبتْ أنها بعد أشهر من زواجها اكتشفتْ أنّ زوجها يتعاطى مخدّرات، ثم اكتشفتْ أنه تاجر مخدّرات وصارتْ أكثر فترات حياته السجن، تطالبه بالطلاق ولا يقبل، رفعتْ قضيّتها إلى المحكمة الجعفريّة فعيّن لنفسه محاميةً تدافع عنه بقلب الحقائق الواضحة كعادة أكثر المحامين الذين يأكلون المال الحرام ولا يخافون الله في ظلم العباد.

ومثل هذا الظلم يجري مع الأسف الشديد لدى بعض القضاة في المحاكم الجعفريّة عندنا حيث لا يعالجون هذه المشاكل بحكمة الشريعة الغرّاء ما جعلتْ القضايا تتراكم في مجتمعنا وصار أصحابها ينفرون من الدّين ومن المعمّمين بسبب هؤلاء القضاة، فما من مجلسٍ يُذكَرون فيه إلا نالتْهم الألسن بالسّوء!!

فالظلم الذي تتحدّثين عنه يا أختي المظلومة أنواع عمّتْ الحياة كلّها فأظلمتْ بالجهل والحُمْق والعناد والتكبّر.

فبالنسبة للظلم الأوّل حول منزل والدكِ ونهب إرثكِ وإرث إخوتكِ الفقراء لا حلّ فيه سوى أن يعود أولاد عمّكِ إلى الرُّشد ويعيدوا إليكم حقوقكم ليخفّف الله العذاب على روح والدهم في قبره ولكيلا يتعذّبوا مثله بعد موتهم المحتوم.

وبالنسبة لزوجكِ وهو الظالم الآخر فقد كتبتُ للزوجات المعلَّقات بعناد أزواجهنّ أن يتحرّكن نحو رفع شكاواهنّ إلى مراجع الدّين يطالبنهم بتنفيذ طلاق حاكم الشرع غيابيًّا، فإرغام الزوج الظالم العنيد من صلاحيّات المرجع أو وكيله المفوَّض.

وهذا يتطلّب من الزوجات المظلومات أن يقدّمن أدلّتهنّ إلى مكتب المرجع الدّيني لطلب الطلاق من هذا النوع ثم يأخذن الوثيقة المختومة إلى المحكمة طلبًا لترسيمها، وعلى القضاة القبول بما يصدر عن المراجع ومكاتبهم بهذا الشأن ولا يعصون الله في ظلم الزوجات الأسيرات بأزواجٍ ظالمين.

وفي الختام:

إنّ كلّ المظالم تعود جذورها إلى حُبّ الدنيا والإنغماس في لذّاتها ونسيان الموت والعذاب…

من هنا فإنّي أذكّر نفسي ومَن يقرأ كلامي هذا بقول مولانا أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام).. والأمل يحدو بي أن نخشى الله ونتّقيه قبل ساعة الموت الذي يباغتنا ونحن غافلون.. قال الإمام:

“أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ ، أَلَا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَغَداً السِّبَاقَ ، وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّارُ ، أَ فَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ ، أَ لَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ ، أَلَا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ ، فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَلَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ ، وَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلَهُ وَضَرَّهُ أَجَلُهُ ، أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ ، أَلَا وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلَا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا ، أَلَا وَإِنَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ ، وَمَنْ لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَىٰ يَجُرُّ بِهِ الضَّلَالُ إِلَى الرَّدَىٰ ، أَلَا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ ، وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَىٰ وَطُولُ الْأَمَلِ ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً”.

أللّهُمّ نبِّهنا من نومة الغافلين وأحسِنْ عاقبة أمرنا وألحِقْنا بالصالحين.

🌏 خُذ أجرَك في:
جاري الإرسال ←←←

للاعلى