بعثة الرّسول الأعظم
{صلى الله عليه وآله وسلّم}
إنبعاث أمّة وإحياء للإنسانية

تلخيصًا لمحاضرة سماحته في حسينية أهل البيت (عليهم السلام) بمناسبة المبعث النبويّ الشريف 27/رجب/1437

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)

تميدًا للكلمة أوجّه إنتباه الحضور الكريم إلى الفرق بين مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) والإسراء والمعراج.
المبعث وقع صبيحة يوم 27 من شهر رجب وفي غار حراء. بينما الإسراء والمعراج وقعا في 17 من شهر رمضان وقيل 21 ومن المسجد الحرام وليس من غار حراء بدليل قوله عزوجل: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى…).
فلا يليق من البعض أن يتأثر بثقافة الآخرين ويخلط بين المناسبتين التي تفصلهما ثلاث سنوات.

وأما الموضوع الذي أراه مناسبًا لهذه الليلة المباركة فهو عن علاقة البعثة النبويّة بالإنبعاث في الأمّة.. وهي علاقة قائمة على أساس طاعة القائد واتّباعه والإلتزام بما يقول. وهذا هو الهدف من بعثة الأنبياء: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

فالإتّباع هو الأساس وإلا فلن تتحقّق الفائدة من بعثة الأنبياء ورسالات المرسلين.

كي نقرّب الفكرة.. تأمّلوا فيما يلي:
المعلِّم في المدرسة، والأستاذ في الجامعة، والطبيب في العيادة والمستشفى، والمهندس في الشركة، والمدير في المؤسسة، والرئيس في الدولة، وشرطة المرور في الشوارع والطرقات، والقائد العسكري في صفوف الجيش مثلًا.. لو لم يستمع لهم الطلّاب والمرضى والعمّال والموظّفون والوزراء والشعب وسوّاق السيارات والجنود هل كانت الحياة تسير بنظمٍ ونجاح؟!

فالفائدة من وجود القادة الصالحين تتحقق بالإستجابة لهم، وإلا فحياتهم إلى فوضةٍ وضياع.

لقد وردت آيات كثيرة في هذا الموضوع.. منها بلفظة الإستجابة كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).

ومنها بلفظة التأسّي كقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).

ومنها بلفظة الطاعة وهي الأكثر كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ).

ومنها بلفظة الإلزام (فَخُذُوهُ) (فَانْتَهُوا) كقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وفي الآية تحذير من العقاب الشديد لمن لا يتقي الله في هذا المسار…

أيّها الحضور الكريم..
أن نؤمن برسول الله.. هذا ليس موضوعنا الليلة لأننا مؤمنون ولله الحمد، بل الموضوع هو كم قد التزمنا بأوامر هذا الرسول ونواهيه.. وكم قد أطعناه وتأسّينا به واستجبنا له؟
هذا السؤال نطرحه على أنفسنا لننظر من خلاله إلى واقعنا الفردي والعائلي والإجتماعي والمعيشي والسياسي والفكري.
فهل نحن متّبِعون نبيّنا القائد محمد بن عبدالله في فكرنا وثقافتنا وفي عملنا وسلوكنا؟
أم نحن ممن أدانهم القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).

فالمطلوب أن يقرأ المسلمون سيرة نبيّهم الأكرم كيلا يستغلّهم الإستعمار فيربط أحدهم نفسه بالمتفجّرات يقتل جمعًا من المسلمين الشيعة وهو يظنّ أنه مسافر على جناح الملائكة إلى مطعم النبيّ في الجنة!!
هذه الحموريّة نتيجة الجهل بشخصية نبيّ الرحمة الذي لم يكن ليقتل المشركين بهذه الطريقة العشوائية فكيف بقتل المسلمين الشيعة وهم يصلّون في المساجد وهم من أهل القِبلة.

أما روى أهل السنّة في كتبهم أن اليهود مرّوا بجنازة من أمام النبيّ الأكرم فوقف النبيّ احترامًا لها. فقيل له إنها جنازة يهودي؟ فقال: أليست نفسًا.

هذا هو نبيّ الإسلام.. رسول الإنسانية وليس ما يعرّفه جهّال المسلمين.. أولئك الوحوش البهائميّون.

إننا ندعو شبابنا أن يقرأوا في شخصية الرسول الأعظم.. مثلًا كيف كانت إعتقاداته حول الخالق وصفاته جلّ جلاله، وكيف كان يتعبّد ويصلّي ويناجي، وكيف كانت أخلاقه مع زوجته وعياله وأصحابه وأعدائه والناس بصورة عامّة، وكيف كان في النظافة الشخصية والتعطّر ومشيه وجلوسه، وكيف كان ينام ومتى يجلس وماذا يفعل في يومياته، كيف كان يصبر في المصائب وماذا كان يقول حين الحزن، وكيف كانت رعايته للفقراء والأيتام، وكيف كان يقضي بين المتنازعين، وما هي آراؤه السياسية وعقيدته العسكرية، إحترامه للعلم والعلماء، وكيف كان تحمّله للمسؤولية، وماذا كانت مقاصده العالمية…

إن قراءة هذه الجوانب من حياته (صلى الله عليه وآله) مفتاح للمعرفة.. والمعرفة مفتاح للحركة.. والحركة مفتاح للنهضة الحضارية في الأمّة.. وهذه تعني إحياء القيم الإلهيّة والإنسانية.

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا)

وفي الختام:

سؤالٌ يفرض نفسه ولا من مفرٍّ لي من الإجابة عليه.. لماذا الليلة وهي ليلة المبعث النبويّ الشريف وغدًا يومه وردت في قائمة المستحبّات من الغسل والصوم والأدعية والصّلوات أن أفضلها هو زيارة الإمام علي أميرالمؤمنين (عليه السلام) كما صرّح به كبار العلماء والمُحدِّثين؟

الجواب: لأن النبي محمد هو نفس وصيّه الإمام علي بدليل آية المباهلة.. وزيارة الوصيّ تعني أهمّية الإمام والإمامة في استمرار الغاية من النبيّ والنبوّة.
[أللهم أدخلنا في كل خير أدخلتَ فيه محمدًا وآل محمد. وأخرجنا من كل سوء أخرجتَ منه محمدًا وآل محمد].

للاعلى