●الخامس من:
شهر محرّم (1437)

◎المسائل الحسينية◎
بين جريمة التحريف
وفريضة التصحيح

☜الجزء (5 من 10)

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمُ)

ذكرنا في عدد الأمس العنوان رقم (2) من المحور الأول.. وهنا نتحدّث عن:

العنوان (3):
(مَن يقف وراء التحريف في المسائل الحسينية)

جهتان تدفعان باتجاه هذا التحريف:

+ الجهة الأولى (المترصّدون من الأعداء):

وهم مَن يرون في أحكام دين الله الحق ضرراً على مصالحهم المادّية فيرون الضرر نفسَه قادماً عليهم من نهضة الإمام الحسين المباركة ومن شعائره المُلهِمة للتحرّر من الجهل ومن العبودية للظالمين. لذلك قد عكفوا -وبالتخطيط الدؤوب وعبر طُرُقٍ مُلتوية- على الزجّ بمختلف أنواع التحريف الفكري والعملي كبديلٍ مزيَّف يُشغِلون به الجهلاء عن التعامل الصحيح مع النهضة التي تضخّ في همم الأحرار عزماً لمقاومة الباطل ورفضاً للركون إلى أهله.

فالأعداء يعرفون جيّداً أن الذي يوقظ إرادة المظلومين ويمنع راحتهم في دنيويّاتهم هو هذا الفكر الوسطيّ الشمولي الذي لا ينفصل عن الفعل الشعائري المتصل بتلك الغايات الحسينية المجيدة وتحريك عواطف الحُبّ الحسيني في الناس.

هؤلاء وعلى مدى قرون طوّروا جهودهم المليئة بالمكر والخبث ليحرّفوا مبادئ هذه النهضة العظيمة عن مواضعها ويفرّغوها عن رسائلها ويوجّهوا فعاليات الإحياء نحو مسارات الحزن العقيم والعزاء غير المُنتِج.. إنهم لم يمنعوا العزاء الحسيني بل منعوا وصول المُعزّي إلى عمق المعنى للعزاء وهو الإلتصاق من خلاله بأهداف الحسين وأخلاقه. تماماً كما فعلوا بالنسبة للقرآن الكريم، فهم لا يريدون المسلم أن لا يقرأ القرآن.. بل يريدونه أن لا يفهم معاني الآيات كيلا يعمل بها أو يعمل ببعضها المقطوع عن شجرته الطيّبة حيث لا يضرّ بمصالحهم الدنيوية!!

+ الجهة الثانية (الغافلون من الأصدقاء):

وهم قسمان..

القسم الأول:

جيل القشريين والمتعصّبين بلا تفكير.. وجيل المُنهمكين في السياسة والإهتمام الدنيوي.. وقد سقط هؤلاء في فخّ الجهة الأولى (الأعداء) لما صارت الشعائر الحسينية بنفسها هدفاً لدى القشريين وليست طريقاً إلى البصائر التي أرادها الحسين للإنسان وتحريراً للإنسانية، ومَن لم يؤيدهم يشهِّرون به ولعلّهم كفّروه وأخرجوه من الملّة أو جعلوه ممن يستحق اللّعن والسبّ والألقاب السيئة…

وليس أقلّ من هؤلاء القشريين والبذائيين أولئك السياسيون الذين يرون الشعائر تخلُّفاً ويفلسفون للتجديد بأفكارهم الإلتقاطية وبدافعٍ حزبي أو مَصلحة دنيوية.. وفيهم مَن لا تجد لهم روحيةً يشاركون العزاء الحسيني فضلاً عن قسوة قلوبهم التي لا تدرّ دمعةً على مصائب الإمام في عاشوراء!!
إنهم لا يؤمنون بضرورة الحزن الساخن والإنجذاب إلى خصائص الحسين الغيبية.. فاختصروا القضية الحسينية في تطلّعاتهم الحاضرة ولم يُطعِموا مواقفهم بالروح الإعتقادية المتصلة بقدسية الشعائر وأهمية البكاء والتزام الآداب العاشورائية التي أوصى بها النبي وآل النبي في الحزن على واقعة كربلاء بدرجة الجزع الخاص لأبي عبدالله الحسين (ع) وإن بلغ حدّ الإدماء الرمزي.

لا شك في أن الممارسات الإنحرافية من أي نوعٍ كانت إنما هي ناتجة عن تحريف المفاهيم الرسالية في مسائل النهضة الحسينية، وكما قلنا يقف وراءه الأعداء المتضرّرون من دين محمد وآل محمد من جهة، ومن جهة أخرى حالة القابلية التي وجدوها في الغافلين من الشيعة وأوجدوها بمكرهم الثقافي والإعلامي.

القسم الثاني:

وهو بعض العلماء والخطباء الذين دفعوا ويدفعون في هذا الإتجاه بطريقة المزايدة والمبالغة، وحجّتهم هي لمواجهة التشكيك ضدّ العقائديات والولائيات!! فصار حديثهم الأول والأخير تكرار المواضيع العقائدية في إثبات الإمامة (فقط) وقراءة الرثاء على أهل البيت (فقط).. ونسوا أو تناسوا أن بين هذا وذاك توجد حلقات مفقودة.. وهي الحديث عن التربية.. عن المسؤولية.. عن التغيير.. عن الإلتزام.. عن الهدف.. عن أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) وسلوكهم العظيم وطريقة تعاملهم مع الموافق والمخالف وكيف كانت عباداتهم وماذا كانت أولوياتهم في الحياة وكيف يمكننا إستخلاص تلك القيم الإسلامية وتطبيقها في يومياتنا مع الأسرة ومع الجار والصديق والعدو وحين الإختلاف وعند التنافس و…

كل هذا الجانب العظيم تمّ تغييبه عن أغلب المنابر الحسينية والتركيز المتكرّر في جانب الإمامة وباللغة اللّعنِيّة والتهاجمية والإستعدائية والرثائية المستهجنة أحياناً كثيرة، أو في جانب السياسة على النمط الإذاعي وكأنّ الخطيب محلِّل سياسي يتحدّث للناس في برنامج تلفزيوني ولا يعطي أهميةً للبُعد الولائي!!

هذا التحريف المُزدَوَج.. يُمسِك طرفٌ منه المزاجيّون التسطيحيّون، ويُمسِكُ الطرف الآخر منه السياسيون التشكيكيّون.. ولكلٍّ منهما مظاهره وعلاماته التي تدلّ عليه.

إننا نوجّه إلى ضرورة دراسة هذه القضية والإنتباه لمخاطرها من قِبَل الوسطييّن العارفين بحقيقة اللّعبة التآمرية من جهة وبالحقيقة الحسينية التي يجب تبليغها على نحو الشمولية من جهة أخرى.

للاعلى