في التجديد
لثقافة الوقف الشرعي

“عناوين البحث الذي قدّمه سماحته في الملتقى الخامس لإدارة الوقف الجعفري بدولة الكويت المنعقد بتاريخ 29 إلى 30 من مارس 2015”:

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

إفتتح سماحة الشيخ المهتدي بحثه متسائلاً:

* كيف ندير كنوز الوقف وننهض بها أمناءً حتى يصدق علينا قوله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا)؟!
* وكيف نطوّر وسائل تنظيمها وآليات استثمارها بما يحافظ على شرعيتها الفقهية من ناحية وأدائها المتصل بتنمية أنفسنا وأهلينا وأوطاننا وأمتنا في أجيال متواصلة من ناحية أخرى؟!

وتحت عنوان (المدخل: تمهيدات تنشيطية) أجاب الشيخ المهتدي على الأسئلة الخمسة التالية:

1/ هل أن ثقافةَ الوقف القديمة حبست الوقفياتِ الجديدة عند حدّ الماضي ولماذا؟
2/ هل إشكالية الجمود تكمن في أحكام الوقف، أم في اجتهاد الفقهاء، أم في مستوى الجمهور الثقافي، أم في الحكومات وقوانينها المُكبِّلة؟
3/ ما هو الحل لدفع الوقف الجعفري باتجاه نهضة حضارية ونحن اليوم في زمنٍ آخر؟
4/ هل في تعويل الناس على الخدمات الحكومية دورٌ في انحسار الوقف؟
5/ من أين تنطلق آليات الحل في تحريك مشروع الوقف نحو أهداف أكبر في حياتنا؟ من الحكومات، المراجع، المؤسسات، الشخصيات العلمية والخبراء الإقتصاديين؟

ثم استعرض سماحته تحت عنوان (مفاهيم ثقافية هامّة) خمسة مواضيع:

1- (المفهوم الشمولي للإسلام) فقال: إن الإعتقاد بشمولية الإسلام وتعدّد مسائله يؤسّس للوقف الشمولي في أنحاء القضايا التي تحتاجها الأمة.
2- (تاريخ الأمّة مع الوقف) فقال: إن أمةً بلا أوقاف حيويّة، لن تكون أمّةً مجيدة.
3- (وليّ الوقف والناظر على الرَّيع) وهنا عالج سماحته التداخل بين جناحي الوقف الشرعي (حبس الأصل) و(سبل المنفعة) داعياً إلى امتلاك وليّ الوقف وناظره صفة التقوى بالإضافة لثلاث مؤهلات لازمة:
أ) الوعي الفقهي.
ب) معرفة الزمان وأولوياته.
ج) حُسن التصرّف الإداري.
4- (الفهم المصداقي لأحاديث الوقف والصدقات).

وهنا دعا فضيلة الشيخ إلى تحديث الفهم الإجتهادي لأحاديث الوقف وعدم تجميد النصوص في الفهم القديم، فإن لكل زمان إحتياجاته الوقفية. وأكّد على أن بناء المساجد ومراكز تحفيظ القرآن وما يتعلّق بالحسينيات والشعائر والحوزات العلمية لا يلغي صرف المدخول الوقفي في كل ما من شأنه دفع الضرر عن الإسلام وإنهاض المسلمين. فلابد من إحتضان العقول الإستثنائية في المجتمع (كالأذكياء من الأيتام) ليكونوا الكفاءات المعتمدة في المشاريع المستقبلية. ولابد من تخصيص مبالغ موقوفة لدعم مساعي إصلاح ذات البين وإطفاء النائرة. ولابد من إحياء الأراضي الميّتة بزرعها وتأسيس المشاريع الإنمائية عليها وبناء وحدات سكنية للفقراء ومصحّات ومراكز مِهَنيّة ومكتبات ومصانع وغير ذلك مما يصحّ جعله تحت عمومية الخير وديمومية البِرّ كما نصّت عليه الأحاديث الشريفة.
5- (دور الفقيه في ترشيد الوقف والموقف).
وهنا قسّم الشيخ المهتدي الموقوفات على نحوين:
* ألف.. موقوفات خاصة المنفعة.
وقال أن أمرها يعود لأصحابها ومقاصدهم.
* موقوفات عامة المنفعة.
وقال أن أمرها يعود إلى الحاكم الشرعي وهو الفقيه العادل.

وفي هذا الخصوص قال سماحته: تبعاً لانفتاح باب الإجتهاد وحرّية الإستنباط الشرعي فقد برزت التعدّدية المرجعية على الساحة ولا مناص منها، مما يعني أن لكل مرجع مقلّديه.. وهنا كي تكسب إدارة الوقف الجعفري كافة الشيعة لابد لها من تطبيق آراء كافة مراجعهم وخاصة في وقفيات مقلّديهم إذا كانوا قائمين على الولاية لمشروعهم، فليس لها أن تتجاوز حدّها في الضبط الإداري للمشروع وتوجيه أصحابه في إطار فتوى مرجعهم. وأما في المشاريع العامة فللإدارة أن تتبنّى رأي أكثرية المراجع.. ومن الأفضل الإرتقاء بهذا الوعي الجمعي إلى مستوى شورى وكلاء المراجع مناطقيّاً. وهذا كلّه من أجل ضمان ثلاثة أمور:
* ألف.. إحترام أصحاب الوقف.
* باء.. إحترام كل المرجعيات.
* جيم.. تأليف القلوب بين المؤمنين ومنع سيطرة الرأي الواحد حيث ينتج حذف الآخر وبالتالي يسبّب الخلاف بين الناس والتجاذبات الهدّامة.

وأكّد الشيخ المهتدي في ورقته على:
أنّ فقهاء الإمامية بحثوا في أدلة الولاية الحِسبيّة حدود ولاية الفقيه بين المطلقة والمقيَّدة وعلاقتها بولاية عدول المؤمنين.. كما فصّلوا الكلام حول جواز التصرّف في العين الموقوفة عند خوف التلف وخطر الضرر وانعدام النفع الذي وُقِفَت له. وهذا مدخل علمي وعملي خصبٌ لتطوير العمل الوقفي ومعالجة الجمود الفكري والإحتباس السلبي للعين الموقوفة.
ويمكن هنا مراجعة ما كتبه الفقيه البحراني في المسألة 4 من موسوعته (الحدائق الناظرة). والفقيه بحر العلوم في المبحث 6 من كتابه (بُلغَة الفقيه). والفقيه النجفي في (جواهره) ج28 ص277 وغيرهم ومن الفقهاء الأحياء (حفظهم الله ورحم الماضين).

وفي الختام.. تقدّم سماحته للملتقى الكريم بعشر توصيات ومقترحات عملية:

1 تعريف الناس بأهمية الوقف دنيوياً وثوابه أخروياً.
2 وضع عدّة مشاريع أمام المحسن قبل وقفه كي يختار ما إليه الحاجة الأكثر والنفع الأكبر.
3 إعطاء الأولوية للوقفيات العلمية ومراكز الأبحاث الدينية والتنمية الثقافية.
4 تخصيص جزء من ريع الوقف لمساعي التقريب بين المتباعدين والإصلاح بين المتخاصمين.
5 تقسيم مهام إدارة الأوقاف على أربعة لجان رئيسية:
* لجنة لكسب المُحسِنين وترغيبهم.
* لجنة للمتخصّصين في الإستثمار والتوسّع عبر توليد المشاريع من بطن بعضها البعض.
* لجنة لصرف الفوائد الوقفية في مواردها الشرعية.
* لجنة لصيانة الوقفيات وحفظها عن العطب.
6 تنظيم الوقف بضمانات قانونية لمراقبة أي فساد ومحاسبة أي متلاعب في أمانات الناس وحقوق الأجيال المتتالية.
7 نشر كشوفات دورية عن الوارد والصادر وإرسال تقرير سنوي عن الإنجازات إلى أصحاب الموقوفات والمحسنين.
8 نشرة عامّة للناس كي يواكبوا الإنتاجات الوقفية ويتشجّعوا في دعم المشاريع وزيادة الإطمئنان والثقة بالإدارة.
9 عقد مؤتمرات سنوية بحضور شخصيات دينية وعلمية وخبراء ماليين لبحث مسالك التطوير وإزالة النواقص والسلبيات وتقييم أداء اللجان والمسؤولين.
10 لقاء مراجع الدين بين فترة وفترة لجعلهم في صورة الأمور الوقفية بشكلٍ عام.

هذا وبينما أشبع سماحته المحاور المذكورة بالآيات والروايات وأقوال الفقهاء والتفريعات عليها.. إقترح انتخاب هيئة من كبار علماء كافة المرجعيات الدينية في كل بلد للإشراف الشرعي على إدارة الأوقاف، كلّ ذلك لتبرئة الذمّة وتخليص النفس من حسابات الآخرة.

● ملاحظة:
هذه الورقة البحثية كتبها العلامة المهتدي في شهر ربيع الأول سنة 1428 الموافق لشهر مارس سنة 2007 ثم طبعت في كتاب متوسط الحجم بإضافات جديدة في 92 صفحة وأرسله سماحته بتاريخ 2007/6/10 إلى الديوان الملكي في البحرين لاعتماده في إنشاء إدارة حديثة للأوقاف الجعفرية في البحرين. ولكن لم يؤخذ به!!

ومن الجدير بالذكر أن هذا الكتاب سجّل ترحيباً واسعاً لدى المراجع والعلماء والقراء الذين أشادوا به وبمؤلفه الذي دَوَّنَ في بداية كتابه هذه العبارة الخالدة:
▼إغرِسِ اليومَ شجرةً تَنعَم بظلِّها غداً▼
مع تحيات:
اللجنة الدينية والعمل الإعلامي
في مكتب العلامة المهتدي

للاعلى